زيارة البشير للقاهرة.. الدبلوماسية المصرية تضرب من جديد
الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى القاهرة تأتي بمثابة شهادة نجاح جديدة للدبلوماسية المصرية خلال السنوات الأربعة الماضية، خاصة وأن هذه الزيارة هي إعلان صريح بنهاية الخلاف الذي شاب العلاقات بين البلدين، خلال الشهرين الماضيين، وهو ما يعني أن كلا البلدين قررتا طي صفحة الخلاف والتوجه معا نحو مرحلة من التعاون والبناء في كافة المجالات.
إلا أن الزيارة بمنظورها الأكثر اتساعا، تبدو ثمرة طبيعية لجهود حثيثة بذلتها الحكومة المصرية، منذ بداية عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2014، من أجل تدشين صفحة جديدة في العلاقات بين مصر ومحيطها الإفريقي، وفي القلب منه دولة السودان الشقيق، خاصة وأن الدور المصري شهد تراجعًا كبيرًا على المستوى الإفريقي خلال السنوات الماضية.
ولعل توقيت زيارة الرئيس البشير لمصر، بالتزامن مع نهاية الحقبة الأولى للرئيس السيسي أمرا ملفتا للانتباه، خاصة وأن السودان كانت أيضا في صدارة المشهد الدبلوماسي المصري، في أعقاب استلام الرئيس السيسي للسلطة في مصر في عام 2014، حيث كانت الخرطوم هي المحطة الأولى في أول جولة خارجية يقوم بها الرئيس بعد صعوده إلى قصر الاتحادية، والتي شملت أيضا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وبالتالي فربما تكون زيارة البشير في نهاية الولاية الأولى للرئيس هي بمثابة انعكاس لأولويات الدبلوماسية المصرية خلال السنوات الماضية، وتتويجا لجهودها.
ولم تقتصر أهمية زيارة البشير للقاهرة على مجرد العلاقات بين مصر والسودان، أو حتى نجاح الجهود المصرية لاستعادة دورها على المستوى الإفريقي، وإنما هي في الواقع تقدم رسائل ضمنية للعديد من القوى الإقليمية التي حاولت استخدام الخلافات العابرة بين الشركاء، من أجل تقويض العلاقات التاريخية فيما بينهما، وذلك لضرب مصالح مصر السياسية والاستراتيجية، في ضوء الأهمية الكبيرة لدولة السودان فيما يتعلق بأمن مصر القومي.
النهج الذي تبنته مصر مع السودان طيلة السنوات الماضية كان يقوم في الأساس على تعميق المصالح المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى إثيوبيا، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، من خلال زيادة التعاون باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى حلول بشأن القضايا الخلافية، والتي ارتبطت في معظمها حول سد النهضة، حيث أبدت الحكومة المصرية مرونة واضحة في التعامل مع هذا الملف، بالرغم من محاولات بعض الدول لإثارة الوقيعة بين الدول الثلاثة.
ولعل التصريحات التي أدلى بها الرئيس السيسي في يناير الماضي، في أول رد فعل له على قرار السودان بسحب سفيرها من القاهرة للتشاور، والذي أكد خلالها أن مصر لا تتآمر أو تتدخل في شئون أحد، بل تبقى حريصة على علاقاتها مع كلا من السودان وإثيوبيا، كانت دليلا دامغا على تحركات بعض الدول وربما الدويلات إلى ضرب العلاقة بين مصر وشركائها في إفريقيا، خاصة المرتبطين معها بملف النيل، في إطار المحاولات التي تبذلها تلك الدول لتهديد أمن مصر القومي.
وهنا يمكننا القول أن زيارة البشير للقاهرة لا تمثل مجرد نجاح للمؤسسة الدبلوماسية المصرية، ولكنها في واقع الأمر ضربة مزدوجة، تعكس استعادة مصر لدورها على المستوى الإفريقي، بينما تمثل في الوقت نفسه صفعة قوية للدول التي تحاول اختراق العمق الاستراتيجي لمصر، بل وكانت رسالة مفادها أن أمن مصر القومي وعمقها الاستراتيجي خط أحمر.