من يملك نجيب محفوظ ؟
هل إرث نجيب محفوظ الروائي والإبداعي الكبير ملك للدولة؟ هل يمكن تأميمه؟ أو التعامل معه بصفته شركة قطاع خاص، يمكن تأميمها وتؤول ملكيتها إلى الدولة؟
هل الإبداع ملك الأشخاص؟ وورثتهم؟ أم ملك بلد بأكملها؟ وإن كان الإبداع ملك بلد بأكملها، فماذا فعل هذا البلد لتكريم هذا الإبداع، وصاحبه؟
هذه الأسئلة يطرحها الموقف الذي اتخذه عدد من المثقفين والكُتاب والروائيين بعدما وقعوا بيانا نشره الكاتب والروائي حسن عبد الموجود على صفحته بموقع فيسبوك أول من أمس الإثنين، وجاء فيه: نطالب نحن المثقفين المصريين، الموقعين على هذا البيان، وزارة الثقافة، بالتحرك ضد دار الشروق، لنزع حق ملكية نشر روايات نجيب محفوظ، حيث أن دار الشروق، لصاحبها إبراهيم المعلم، تعمدت طوال سنوات عديدة ماضية، حجب روايات نجيب محفوظ، ولما كانت تلك الروايات تخرج عن دائرة احتكارها لجهة خاصة، بحكم مكانتها العالمية، وكلاسيكيتها، فمن حق الدولة والمصريين جميعاً، نزع تلك الملكية عن الجهة المُحتكرة.
صورة لنجيب محفوظ خلال جلسته في مقهى على بابا ناظرا إلى ميدان التحرير
تفاعل مع هذا البيان عدد هائل وكبير من المثقفين، الذين اتهموا دار الشروق بنفس الاتهامات الواردة في البيان، ووقعوا بأسمائهم تضامنا مع صاحب الدعوة حسن عبد الموجود، الذي قال لكاتب هذه السطور عن سبب إطلاق بيانه، ونشره، أن هناك الكثير من الشكاوى من أسعار كتب الأديب الكبير الراحل، وأن أسعار هذه الكتب مرتفعة، كما أن العديد من الأعمال غير متاحة، وهو ما يعني أن دار الشروق تحجب عن عمد بعض هذه الأعمال.
الروائي حسن عبد الموجود
إن كانت بعض أعمال نجيب محفوظ غير متاحة، وهي الشكوى يذكرها عدد من المثقفين والذين يرجعونها حسب كلامهم إلى تعمد دار الشروق حجب الأعمال، إلا أن هذا لا يعني هدم الوثيقة القانونية الوحيدة التي تنظم علاقة الكاتب بناشره، ألا وهي العقد القانوني، وهو ما دعاني للرد على الصديق الكاتب حسب عبد الموجود – الذي أقدره واحترمه وأتمنى ألا يكون هذا المقال سببا في أي ضيق شخصي بيننا- أن دار الشروق توفر أفضل الظروف لنشر كتب محفوظ، وأن هذه الظروف التي أعنيها، أقصد بها جودة الكتب، وتصحيحها، وضمان خلوها من الأخطاء، سواء الإملائية، أو النحوية.
عدد من الكُتاب والروائيين عقبوا على الدعوة بين رافض، ومؤيد، ومنهم الروائي والكاتب الصحفي حمدي عبد الرحيم الذي كان قد استنكر الدعوة، وقال أنها عجيبة، وبلا دليل، وتابع في تعليق كتبه على صفحته بموقع فيسبوك، أن البيان لم يسم رواية واحدة محجوبة، وشدد على أن العقد شريعة المتعاقدين، والعقد الذي تم في حياة محفوظ بينه وبين الشروق، جعل الدار صاحبة الحق الحصري في نشر تراثه، فكيف يتم نزع هذا الحق منها؟
أما من الآراء المؤيدة لدعوة حسن عبد الموجود، ومنها رأي الكاتب أشرف الصباغ، فكتب تعليقا على صفحة حمدي عبد الرحيم، قال فيه: نتكلم بقى بالوقائع، طلاب كليات الآداب بتوجيه من أساتذتهم توجهوا إلى دار الشروق "أكثر من فرع" للحصول على بعض مؤلفاته، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب عدم وجود هذه المؤلفات، ويقول الصباغ أن هذه الواقعة تابعها على مدار عامين متتاليين، وأن هناك أيضا مسألة الأسعار التي تؤرق العديد من الطلاب، ومن القراء، وأشار الصباغ إلى استهتار موظفي مراكز توزيع دار الشروق، وطريقة تعاملهم التي وصفها بالسخيفة مع الجمهور.
لكن الصباغ يشدد على أنه لا يؤيد نزع الملكية أو التأميم، وأنه إذا كانت دار الشروق تتصرف بشكل غير لائق مع أعمال أحد الكتاب، فعلى الأطراف المتضررة أن تتصرف وفق القانون.
الناشر إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق
الناشر إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق، علق على ما كتبه الكاتب حمدي عبد الرحيم، كتب المهندس إبراهيم المعلم تعليقا يقول فيه: كنوز حبيبنا وأستاذنا نجيب محفوظ - الذي شرفنا باختياره لنا لنشرها عندما تكرم بالاتصال بي- كل هذه الكتب الكنوز منشورة ومتاحة ورقياً في جميع فروع مكتبات الشــروق ومعظم المكتبات في أنحاء مصر وكذلك عند جميع موزعي الشــروق في أنحاء العالم العربي، كما أنها متاحة إليكترونيا.
في نفس التعليق أعلن الناشر إبراهيم المعلم بدء إتاحة كتب وأعمال محفوظ في شكل كتب صوتية، داعيا المثقفين المعترضين إلى إقناع وزارة الثقافة ووزارة التعليم والتعليم العالي، والشباب لاقتناء إبداع وطبعات محفوظ في مكتباتهم في قصور الثقافة ومكتبات المدارس والجامعات ومكتبات مراكز الشباب حتى تعم الفائدة ويتحقق جانبا من واجبهم ورسالتهم نحو الأجيال التي يقومون على تثقيفها، وتنويرها.
الروائي السوداني حمور زيادة استنكر الدعوة، ووصفها بالعجيبة، وقال أنها دعوة للتأميم، وتسقط حق ورثة نجيب محفوظ وتدعي أن إبداعه ملك للدعوة، والمصريين جميعا.
يلفت حمور أيضا إلى أنه كان بوسعه أن يتفهم الدعوة، إذا ما كانت موجهة لشراء حقوق النشر، لا نزعها، لأن دار الشروق تمتلك هذه الحقوق وفق عقود شرعية، ليست بالقرصنة، أو وضع اليد، وأنه كان سيتفهم أيضا لو استصحب البيان الذي يجمع التوقيعات الحق الأدبي لورثة نجيب محفوظ، بدل الحديث عن إنتاجه كأنه ملكية عامة، لا يخضع لقوانين الملكية الفكرية.
أثارت هذه الدعوة التي أطلقها حسن عبد الموجود، وعلق عليها روائيون وكُتاب، أفكارا كثيرة عن حدود حقوق الملكية الفكرية، أين تنتهي، وأين تبدأ؟ وهل يحق أن ندعو وزارة الثقافة أصلا للتدخل ونزع ملكية كتب استحوذت عليها إحدى دور النشر الخاصة بعقد شرعي؟
هل وزارة الثقافة جهة تأميم حقوق الملكية الفكرية؟ أم أنها جهة تنظيم ووضع سياسات ثقافية، وإدارة مشهد ثقافي، ومعاونة جهات مستقلة مثل دور النشر على إدارة شؤونهم الثقافية، بل ومساعدتهم وإبرام شراكات نشر مثل أن ينشر المركز القومي للترجمة مثلا كتابا بالتعاون مع إحدى دور النشر الخاصة بشراء الحقوق، على أن يتحمل الناشر تكاليف الطباعة، أو العكس.
وبالتأكيد وزارة الثقافة ليست جهة تأميم للحقوق الفكرية، وكما أوضح حسن عبد الموجود نفسه في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التلفزيونية حول دعواه، أنه انتقد عدم تحويل بعض أعمال نجيب محفوظ إلى سينما، وأشار إلى أن احتكار دار الشروق يشمل كل أشكال النشر، أي تحويل كل الأعمال إلى سينما أو تلفزيون، لكن عبد الموجود انتقد أن يظل كنز نجيب محفوظ في قبضة دار الشروق وحدها، مشددا على احترامه لورثة محفوظ، لكنه ليس ملكهم وحدهم.
وانتقاد عبد الموجود ينصب أيضا في الأساس على ارتفاع أسعار كتب محفوظ التي تبيعها دار الشروق، ولفت عبد الموجود إلى مطالبته وزارة الثقافة بالتدخل لإيجاد حل، وليكن مثلا إيجاد طبعات شعبية تنشرها وزارة الثقافة، وانتهاءً بنزع الملكية نفسها، لكنه يشدد على احترامه لحقوق الجميع.
وعلى الرغم أنني اتفق مع كلام عبد الموجود في ضرورة إتاحة أعمال نجيب محفوظ في طبعات شعبية، وبأسعار أرخص، إلا أنني أرى أن المطالبة بنزع ملكية أعمال محفوظ من دار الشروق، التي تم توثيقها بعقد رسمي في حياة صاحب هذه الأعمال، يهدم أساس فكرة التعاقد، ويؤدي إلى فوضى طائلة، لا يمكن حصرها، لأن ذلك ببساطة يعني أن يستيقظ أي ناشر غدا صباحا، ويقرر أن يعيد نشر أعمال لنجيب محفوظ.
هذه الدعوة تعني ببساطة أيضا أن من ينشر كتبا لنجيب محفوظ، سيتدخل بالحذف والإضافة في هذه الأعمال، وقد ينتهي بنا الحال إلى نسخا محرفة لأعمال محفوظ، إنها فوضى هائلة، إذ لا يمكننا أن نحاسب أطراف عديدة على تشويه عمل من أعمال نجيب محفوظ، بينما يمكننا أن نحاسب طرفا واحدا مسؤولا عن أي أخطاء، أو حذف أو إضافة لأعمال الروائي الكبير الراحل.
أيضا هذه الدعوة ستفتح الباب على مصراعيه للسطو على أعمال عديدة لكتاب آخرين، وضياع حقوق ورثتهم، بدعوى المنفعة العامة، وهذا لن يتوقف عند محفوظ وحده، بل ستكر البكرة كل الخيوط، وستنال الفوضى من الجميع.
ومن يضمن أن تكون الأعمال المنشورة في طبعات أخرى، نقية من الأخطاء الإملائية، ولماذا نتوجه إلى وزارة الثقافة بمطالبة أن تنشر أعمالا لنجيب محفوظ، بينما لم تنته من افتتاح متحفه، كما أطلق آخرون دعوات إلى إعادة جرد المقتنيات التي تبرعت بها أسرة محفوظ لوزارة الثقافة منذ 11 عاما، لمتحفه، متخوفا من أن تكون هذه المقتنيات قد تسربت أو فسدت من كثرة التخزين.
آخر شيء أود أن أكتبه تعليقا على هذا الجدل المثار، أن وزارة الثقافة كانت أمام نجيب محفوظ وقت إبرامه عقد نشر أعماله، وزارة الثقافة بكل جهات النشر التي تعمل داخلها كانت موجودة حينما قرر محفوظ أن ينشر كتبه وسائر أعماله مع دار الشروق، فلماذا لم يتصل بهم حينها؟ ألا يعني ذلك أنه فضل الناشر الخاص عن الناشر الحكومي مؤمنا أن أعماله ملكية خاصة، له ولورثته، ففضل أن يتقاضي حقوق نشرها من ناشر خاص، وليس من ناشر حكومي.