"النور مكانه فى القلوب".. طلاب سيناء المكفوفين ينتصرون على إعاقة فقد البصر
مع كل صباح يوم دراسى جديد تحتضن فصول "مدرسة النور للمكفوفين" فى مدينة العريش بشمال سيناء 23 طالبا من فاقدي وضعاف البصر من مراحل رياض الأطفال وصولا للمرحلة الثانوية، تنقلهم بعضهم حافلات مدرسية مجهزة من أحياء المدينة والبعض توفر لهم المدرسة خدمة المبيت والإعاشة فى استراحة مجهزة ضمن مكونات المدرسة احدى اهم الواجهات التعليمية المجهزة فى شمال سيناء لخدمة ذوى الاحتياجات الخاصة.
مبكرا يسابق الطلبة معلميهم فى الوصول للمدرسة فى حى " العبور " جنوب شرق مدينة العريش، وكلاهما يستعد ليومه دراسى يستهل بطابور الصباح أمام مدخل المدرسة، خلاله يتنافس الطلبة فى تقديم برنامج إذاعي يكشف مواهبهم فى الإلقاء وتلاوة القرأن الكريم ونظم الشعر، ثم تحية العلم وأداء النشيد الوطنى والتحرك بخطوات يتلمسون طريق يحفظونه وصولا لمقاعدهم فى فصول صغيرة جهزت لتلقيهم العلم .
من بين نوابغ المدرسة " يوسف محمد عبد العال "، الطالب فى الصف الخامس بالمدرسة ويطلق عليه زملائه لقب الشاعر والفنان، قال لـ " دوت مصر" ،انه عاشق للغة العربية وعلومها، ويجيد فن القاء الشعر، ويحفظ كثير من القصائد القديمة التى يدرسها،وكل طموحه فى المستقبل ان يصبح معلما للغة العربية.
ويقول " يوسف "، أن لديه فى المدرسة أصدقاء من زملائه الطلبة ومعلميه الذين بينهم يشعر بروح العالم الجميل الذي لايراه بعينيه، لافتا إلى أنه إضافة لحرصه على حفظ دروسه فهو ينمى موهبته فى الإلقاء ويخوض التنافس فى مسابقات على مستوى المدرسة وخارجها وحصل على مراكز أولى فى كثير منها.
وأضافت "سلمى نور"، 11 عاما، أنها تستعد للوصول للمدرسة من الفجر وتنتظر على باب منزلها وصول الأتوبيس الذى ينقلها للمدرسة قائلة: "أنا نفسى أبقى أم"، واستطردت: "الأم فى البيت بس ما فيش أم فى المدرسة ولا فى المستشفى، عايزة أبقى أم فى كل مكان مافيهوش أم".
وبدورها أشارت الطالبة "حنان قدرى" وهى من فئة ضعاف البصر، وتدرس فى الصف الثالث الثانوى، إلى ان قدوتها فى حياتها العملية الدكتور طه حسين، وأمنيتها للمستقبل أن تصبح إعلامية معروفة، ووفرت المدرسة كل هذه الأجواء فهى من تدير البرنامج الإذاعى للمدرسة يوميا وتشارك فى مسابقات المحاورات ، وتحرص على أن تطالع بشكل متواصل كل جديد فى عالم الشعر وتحفظ القديم منه.
وبدورهما أجمع الطالبان " محمد على " بالصف الثالث الثانوى، و "حمدى أحمد حمدى"، بالصف الثانى الثانوى، انهما لديهم امنية يعلمان انها مستحيلة وهى ان يصبحا " ضابطين فى الجيش " وبصوت واحد قالا " عارفين ان ده صعب شويه لكن اتعلمنا ان مافيش مستحيل يقف أمام احلامنا ".
ما يراه "محمد"، و"حمدى"، أنه ليس مستحيلا تعتبره زميلتهما "منة أحمد "، شعارا لهم فى مدرستهم يتعلمونه من اول يوم دراسة لهم قبل 11 عاما بدأوها ولا يزالون يواصلون ، وتابعت ان هذه المدرسة لها عليهم أفضال كثيرة ونمت فيهم روح حب العلم حتى انها اصبحت مغرمة بالتعلم وامنيتها التى تسعى ان تتحقق ان تصبح استاذة فى علم اللغة العربية بجامعة العريش ، واستكملت الحديث الطالبة "ناهد سمير صالح "، بقولها " انا بقى نفسى ابقى دكتورة علم نفس لأنى حاسه ان كثير من الناس محتاجين خدمة اللى يعرف ايه اللى جواهم ويعالج مشاكلهم " .
أحلام الطلبة الدارسين لمستقبلهم، بدأت خطوات تحقيقها عمليا زميلتهم التى سبقتهم فى الدراسة "رغدة احمد عواد" وهى من ضعاف البصر، خريجى المدرسة التى عادت للعمل فيها بوظيفة ادارية بعد حصولها على مؤهل جامعى، فى الوقت الذى استكملت فيه دراستها العليا، وبدأت التحضيرات لرسالة الماجستير.
قالت "رغدة "، إنها فخورة أنها خريجة مدرسة المكفوفين التى فيها تعلمت أنها بطلة تستطيع أن تقاوم وتهزم الإعاقة البصرية، وفعلا استطاعت وبدأت بمساعدة معلميها خطواتها العملية ولايزال الطريق أمامها لتواصل، وصولا لتحقيق حلمها أن تصبح دكتورة جامعية وقدوتها أستاذها الكفيف فى جامعة العريش الدكتور أحمد عوين الذي علمها أن تنجح فى رؤية ما لايراه المبصر لتكسر كل صخور المستحيل بالبصيرة .
وأشارت "عزة محمد" معلمة لمرحلة رياض الأطفال بمدرسة النور للمكفوفين بالعريش، انها اهم مراحل استقبال الأطفال غير المبصرين واحتكاكهم لأول مرة مع مجتمع خارج أسرهم، وخروجهم من انطوائية اعاقة فقد البصر وتلقينهم ان هذا امر طبيعي ولا يعتبر عائق امامهم.
اضافت ان أول مهمة تكون هى ان يحس الصغير بالأمان التام وانه بين اهله وليس غرباء، وهذا بتنمية مهارة الإحساس كبديل عن الإبصار فيتم معايشتهم للأجواء المدرسية وكل ما حولهم من معلمين وفصول وطرقات وغيرها،وتوضيح ما توفره المدرسة من ترفيه وتعليم ، ثم تنمية قدرات الاستفادة من كل هذه المحسوسات لتعلم مهارات اكتشاف كل ما حول الطفل واكتشاف مواهبه الكامنة داخله.
وقال "حمدى محمد محمد"، مدير المدرسة، والذى بدوره من فئة " ضعاف البصر"، انها المدرسة الوحيدة فى المحافظة المتخصصة فى تعليم وتأهيل فاقدي وضعاف البصردراسيا للوصول للمرحلة الجامعية، ودورهم يبدأ بتنمية روح التخيل لدى الطفل الدارس، وتأهيله على تحدى إعاقته وتفجير الملكات الموجودة داخله ليواجه مستقبله فى المراحل الدراسية الأولى ثم تنمية مواهبه بعد اكتشافها فى المراحل الاعدادية ودعمها باللازم علميا خلال المراحل الدراسية التالية وصولا للتأهيل للجامعة وقد اصبح الطالب متكامل المعرفة بكل ماحوله وقادر على ان يعايش ظروفه بشكل ملائم.
واشار مدير مدرسة النور للمكفوفين بالعريش، ان الدراسين فى الفصول المدرسية 23 طالب ، واعداد اخرى يجرى انتهاء إجراءات بدء دراستهم، لافتا ان بداية المدرسة كانت بفصل واحد فى عام 1999، ثم مرحلة ابتدائية واعدادية وصولا لمدرسة متكاملة بمبنى بمجهز ضمن مجمع تعليمى خاص بذوى الاحتياجات الخاصة فى العريش، تم تشغيله عام 2011، موضحا ان فريق العمل داخل المدرسة من معلمين تم تأهيلهم عن طريق وزارة التربية والتعليم.
وقال ان رحلة انشاء هذا الصرح التعليمى الذى وفرته الدولة لأبنائها فاقدي وضعاف البصر بشمال سيناء ، واجهت كثير من العقبات خصوصا التجهيزات العالية التى تحتاج تكاليف باهظة، وبينها ماكينات الكتابة، وماكينة طباعة تسمى الحفار،واصبح الدارس تتوفر له هذه الخدمات التعليمية داخل المدرسة فضلا عن الخدمات الترفيهية ،وغرف مصادر الانشطة للتعلم واكتساب المهارات السلوكية والتعليمية وتنمية النواحي الابداعية، والقدرات الرياضية مشيرا ان كثير من الطلبة تميزوا فى المسابقات الثقافية والرياضية وحققت المدرسة مراكز أولى متقدمة على مستوى الجمهورية فى كثير منها رغم ظروفها الصعبة حاجتها لمزيد من الامكانيات.
واشار مدير المدرسة، ان ثمة احتياجات هامة مطلوبة للمدرسة، ومنها مضاعفة اعداد حافلات نقل الطلبة وسرعة اضافة مزيد من ماكينات تعلم الكتابة بعد ان اصبحت القديمة مابين غير صالحة واخرى تحتاج لصيانة، فضلا عن اهمية تزويد المدرسة باحتياجات حديثة من التطبيقات والمعدات الالكترونية الحديثة الخاصة بتعليم المكفوفين .
وأعرب مدير مدرسة المكفوفين بالعريش عن امله انه كما يتم تعليم الطلبة هزيمة اعاقة فقد البصر، ان يدرك المجتمع خصوصا من لديه طفل معاق بصرية ويهزم جهله بضرورة ان يسارع باستغلال هذه الخدمة التعليمية التى وفرتها الدولة لهذه الفئة لافتا انه اهتمام غير عادى واجواء تعليميه قد لاتتوفر فى المدارس العادية.
وقالت دكتورة عزة كمال مدير إدارة التربية الخاصة بتعليم شمال سيناء ، إن مدرسة النور للمكفوفين العريش هى من بين 3 مدارس خاصة بخدمات الإعاقة السمعية والحركية والبصرية ، ويتم داخل المدرسة توفير كل سبل الاعاشة والتنقل للطالب داخل مدينة العريش، ومن هو من خارج مدينة العريش يتم توفير خدمة المبيت ووجود مشرفين لخدمتهم وانشطة ترفيهية مصاحبة بعد انتهاء اليوم الدراسى ، ويقوم بالتدريس لهم متخصصين فى هذا المجال.