التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 10:11 م , بتوقيت القاهرة

مفيش مستحيل ..صباح كفيفة حافظة للقرآن ومبدعه فى صناعة الفازات

صباح
صباح

فى إحدى قرى مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية وبالتحديد فى قرية سنبارة، بيت فقير يسكنه فتاه مع شقيقها، ليست كأى فتاه، لكنها تمتلك من البصيرة ما يعوضها عن فقد البصر فى عمر 9 سنوات، لتعيش 29 عاما فى غياهب ظلمة فقدان النظر، لكنها أشعلت بداخلها طاقة نور عوضتها عن كل شىء، ومنحها الله من القدرة والصبر والأبداع ما جعل أناملها الصغيرة تتحسس الاشياء وتعرف معالمها لترى بأصابعها وتتحول مع الوقت لأيقونة أمل وتفائل فى القرية الصغيرة، ورفضت الزواج ومنحها أهالى القرية لقب الشيخة، بعد دهشتهم بما تحققه الفتاة فهى بالتأكيد بركه تعلم بواطن الأمور وترى مالا يراه الآخرون، أنها حكاية الشيخة صباح البسطويسي ذات الثمان وثلاثون عاما.

دوت مصر التقها واستمع لحكايتها ونوادرها وتفاصيل 29 عاما قضتها فاقدة البصر، وحكاياتها فى ظلمة العمر، بمجرد أن تشاهدها ستعرف من اللحظة الأولى، إنها حقا ست مصرية جدعة، حولت ظروف عجزها، لطوق نجاه، بابتسامتها التى تنحت ملامح وجهها، ولكنتها القروية ترحب بك، لتذوب الغربة وأنت فى رحابها هى وشقيقها بمنزلهم المتواضع.

 

ببراءة وبساطة ومفردات شيقه، تروى الشيخة صباح كما تحب أن يناديها جيرانها، حين أصيبت وعمرها 9 سنوات بحمى التيفود، وعلى أثرها أصيبت بضمور فى العصب البصرى وإنفصال فى الشبكية،وفشلت كل محاولات أسرتها أن تعيد إليها بصرها بعد رحلة عذاب فى كافة المستشفيات، فإرادة الله منحت 7 أشقاء ذكور فتاة واحدة، وبعد وفاه الأب تولى شقيقها الأكبر سمير الأهتمام بها، رغم عمله كموظف فى إحدى شركات الأثاث، لكنه استطاع أن يمنحها الطمآنينة التى حولتها لشعلة نشاط.

 وتروى الشيخة صباح ببساطة كيف علمت نفسها بنفسها، وخاصة بعد أن حرمها فقدان البصر من استكمال تعليمها، حيث التحقت بمعهد القراءات بشبرا الخيمة، وتغلبت على مشقة الذهاب والإياب يوميا من القاهرة إلى المحلة، أقامت فى إحدى دور الضيافة بمدينة نصر، لم تقيد حركاتها بمرافق لها وكانت تصر أن تخوض تجربة الأكتشاف والمشى بمفردها، فكانت تذهب من دار الضيافة إلى المعهد بمفردها تكتشف الناس والطرقات معاً، وكانت تحظى بكثير من كلمات الدعم والتحفيز من كل من يقابلها، حتى حصلت على إجازة حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم ، ولم تتوقف أحلامها عند هذا الحد لكنها خاضت تجربة أخرى حيث تسعي إلى حفظه بالروايات العشر.

الشيخة صباح استغلت القدرة التى منحها إياها الله لتبدع ويتحول فى يدها " التراب ذهب " كما يقول أهالى القرية عنها، ويمكنها تعلم أى شىء فى فترة وجيزه أقل من المعتاد، وتعلمت على سبيل المثال الأشغال اليديوية وصنع الخرز وفازات الورد فى أقل من ثلاث أيام ، ومن وقتها حتى الآن أصبح هو مهنتها.

وكأن الشيخة صباح كانت تثبت لذاتها، أنها بالفعل كائن أنسانى مميز، فكانت تختار المهن التى يصعب على الأسوياء تعلمها بسهولة لتجتازها هى بنجاح، فتراها تجلس على ماكينة الخياطة أفضل من أشطر صنايعية، وتراها تمسك بأدوات الحياكة والمازوره وكأن السنتىميترات تهمس لها فى أذنها فتشعر بها، وحين تدقق فى تفاصيلها ستعرف أنها أيضا تواكب التكنولوجيا وتجيد الكتابة على الكمبيوتر وتحفظ الكيب ورد عن ظهر قلب، وايضا تعرف كيفية البحث عما تريد، ولا تسألوا عن أشياء إن تبدوا لكم تسؤكم، أنها إرادة الله وحكمته ، ومعجزاته فى عباده الصالحين.

الشيخة صباح تحمل ملامح قرى مصر الجميلة، فسيدة المنزل تعرف كيف تكون السند لرجلها أن كان أب أو أخ أو زوج ، فصباح لم تتزوج، وقطعت عهدا على نفسها أن تساعد أسرتها، وباعت خاتمها الذهبى لشراء مستلزمات تعليم الخياطة وتصنيع الفازات والورد الصناعى، واتسمت منتجاتها بالرقى والذوق العالى والتشطيب العالى لتحقق رواجا، وأصبحت مهنتها التى تقتات منها وتضيع فيها ساعات فى غرفتها المغلقة، لتخرج فرحة بما صنعت، وحرصت ألا يقتصر تسويق منتجاتها على أبناء قريتها فقط،  لكنها قطعت مسافة أكثر من 25كيلو لمدينة المحلة بمفردها، وتحمل منتجاتها على كتفها وتسوق لمنتجاتها فى المحلات.

 

دوما كانت الشيخة صباح لا تقف عند حد، فالمعرفة عندها لاحدود لها، بعد أن أبدعت فى مشروع الفازات، ذهبت لأحد أصحاب مصانع الملابس، وطلبت منه أن تعمل معه فى مقابل أن يعلمها الجلوس على ماكينة الخياطة، وبعد ذوبان الدهشة لطلبها وافق وعملت على ماكينة أوفر، ثم أخذت دورة فى تصنيع المشغولات اليدوية، وأبهرت الجميع بمنتجاتها.

الشيخة صباح الأمل لديها أسلوب حياة، وكل ما تتمناه أن تقابل الرئيس عبد الفتاح السيسى، قائلة:" نفسى أقابله وأقدم له الشكر على مافعله لمصر، والنهضة التي شهدتها مصر فى عهده،  وحفاظه على أمنها وأمن شعبها، رغم المخاطر التي تحيط بنا وكفاية اننا عايشين فى أمن وآمان، كما أتمنى أن أحظي بشرف مقابلة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر واشكره على ما قدمه فى خدمه الازهر الشريف، والنهضة التي يشهدها الازهر الشريف، وادعو الجميع من يريد النجاح لابنائه فعليه بالأزهر الشريف".

ليس للأحلام حدود فى رحاب الأيمان بقدرة الخالق، فكل يوم فى حياة صباح يحمل الكثير والكثيرمن الأمنيات، فى ظل التحلي بالصبر وعدم الاستسلام،وتحدي الظروف آياًكانت، والسعي لاثبات النفس بكل ما لديهم من قوة، بهذه العبارة أختتمت الشيخة صباح حديثها ونصيحتها للأسوياء ومتحدى الإعاقة معاً.