التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:51 ص , بتوقيت القاهرة

نساء على حافة البحيرة.. بنقشر الجمبري وعمرنا مادوقناه

نساء قرية شكشوك
نساء قرية شكشوك

هل سمعت من قبل عن"الست الجدعة"؟ تلك صفة اتسمت بها المرأة المصرية من الأذل فى ربوع مصر المختلفة، إليكم سيدات قرية شكشوك بمحافظة الفيوم فهن مثلًا واضحًا لذلك القول؛سيدات لم تعرفن سوى التضحية قادرينا على التحمل والصبر والوقوف بجانب الزوج فى أشد المواقف الكاحلة؛ فبعد أن نضبت بحيرة قارون من الأسماك،وهجر معظم الرجال بالقرية متجهين إلى بحيرة ناصر في أسوان للصيد، لجأت السيدات بقرية شكشوك إلى مهنة لم نسمع عنها من قبل إلا في شركات ومصانع إنتاج الأسماك آلا وهي "تقشير الجمبري"  .

ثلاث أشخاص فقط من ثلاث عائلات مختلفة هم المقاولون الذين يأتون بسيارات الجمبري من تجار الأسماك في محافظات دمياط وكفر الشيخ وبعض المحافظات البحرية الأخرى؛ لتوزيع طاولات الجمبري على سيدات القرية لتقشيره وإعادته مرة أخرى في صورة "لحم" للتاجر الأصلي ليقوم ببيعه إلى المحلات  والمولات والمطاعم الكبرى .

"البحيرة تعبت كانت مصدر رزق الفيومية كلهم واللي بيفيض كانوا بيودوه سوق العبور فى مصر، بس كله راح محدش عارف إيه اللي جالها" كلمات بمنتهى الحزن قالتها الحاجة "عريفه" 55 عامًا إحدى سيدات القرية والتي تعمل في تقشير الجمبري منذ أن توفى زوجها من تسعة سنوات لتتحمل مسئولية تسعة بنات وولدان، تكمل حديثها قائلة: أستيقظ من نومي في الصباح الباكر حاملة آنيتي وأتجه إلى منزل الحاج عبد الحفيظ لأحمل ما أقدر عليه من أكياس الجمبري وأذهب لبيتي لتقشيره؛ فكل تقشير10 كيلو أذهب لتسليمهم ووزنهم وتكيسهم؛ وأأخذ 10 كيلو أخرين وأظل هكذا طوال اليوم حتى أذان المغرب، وأتقاضى كل أخر شهر من 70 إلى 100 جنيه حسب عدد الكيلوات المدونة في دفتر الحاج عبد الحفيظ .

وتابعت عريفة: جميع سيدات القرية تتحملن المسئولية كاملة منذ أن تركهم أزواجهم وأبنائهم واتجهوا للصيد من بحيرة ناصر في أسوان، فالكثير منهم يذهب ويعود جثة هامدة إما في حادثة أو غارق فلا توجد عائلة في تلك البلدة البسيطة إلا وفقدت أحد شبابها"الأم تربى وتشيل الهم وفى الأخر يرجعلها ابنها ميت ، الله يعين أمهات البلد دي".

من الحاجة "عريفه" إلى الحاجة" رحيمة" التي تبلغ من العمر 60 عامًا، تعمل فى تقشير الجمبري منذ أكثر من 15 عامًا قبل أن يتوفى زوجها الصياد لتساعده على المعيشه، تجدها تجلس خارج غرفتها الصغيرة وأمامها وعائها الممتلئ بالجمبري ويدها تلتقط الواحدة تلو الأخرى لتنزع القشر منه ونضع "لحم" الجمبري في إناء أخر بجوارها، تقول "رحيمة" أتقاضي معاش شهري 500 جنيه وأذهب للطبيب كل شهر أكثر من مرة بسبب مرضي فأنا لا أرى بالقدر الكافي بسبب المياه البيضاء في عيناي، ولا أستطيع الوقوف بسبب الروماتزم والخشونة غير السكر والضغط، وهذا المبلغ البسيط لا يكفي العلاج وفواتير المياه والنور والأكل، لذلك ألجأ لتقشير الجمبري ليساعدني علي المعيشة .

وتابعت: الحاج عبد الحفيظ يعطيني ثمن التقشير كل شهر أو شهرين ما بين 20 إلى 80 جنيه على حسب الكميات التي أقوم بتقشيرها، فأنا أعيش بمفردي في هذه الغرفة وفاة زوجي و زواج أنبائي فكل منهم يعيش في بيته.

لا يختلف الحال في بيت أمال خلف عن بيوت جاراتها الأخروات، فزوجها وثلاث أبناء ذهبوا إلى بحيرة ناصر فى أسوان للصيد،  ويأتون كل شهر محملين بألف جنيه تقول أمال: بشتغل في تقشير الجمبري من 15 سنة قبل بحيرة قارون ما يخف رزقها عشان أساعد زوجي على الحياة وأربي أولادي وبعد ما السمك نضب من البحيرة، وزوجي ذهب أقشر جمبري أكثر من ذي قبل لأن الحياة صعبة، أقشر حوالي من 20 لـ 50 كيلو، فالتاجر يأتي بالجمبري مرتين في الأسبوع فقط وأحيانًا مرة واحدة، واتقاضي من 10 إلى 15 جنيه يقوم المقاول بتجميعهم ودفعهم مرة واحدة كل شهر أو شهرين، وختمت أمال خلف حديثها قائلة" أنا عمري مادقته احنا ناس على قد حالنا والجمبري غالي، وده بتاع ناس وأمانة عندنا إزاي ناكل منه حرام"

أما هالة عيد من سيدات القرية فقالت"ما فيش رجالة فى البلد كلهم شغالين فى أسوان  عشان البركة فاضية واحنا الستات بنساعد على المعيشة وبنقشر الجمبري، الراجل يبعت 100 أو 200 جنيه كل أسبوع،أحوال البلد وحشة والبحيرة فاضيه لا فيها بلطي ولا جمبري ولا موسى، والواحدة بتقشر على قد ماتقدر، ومش محرجة دا مصدر رزقنا ولقمة عشنا ومهما كانت الفلوس قليلة بتساعد، منها بنسد إللى علينا والقشر بنشفه للبط" .

وتابعت"عمري ماكلته عشان غالي علينا، بيبقى نفسي أذوقه بس ماقدرش عليه دا أمانه ماقربلهاش ومن خان الأمانة حرام عليه"

الطفلة مريم جمعه ذات الـ9سنوات في الصف الثالث الابتدائي، تأتي لتعمل في تقشير الجمبري بدلًا من أمها ليكافئها المقاول بكيلو من قشر الجمبري كي يأكله البط .

أما رانيا 12 عامًا في الصف السادس الابتدائي فقالت"أتكسف ليه البلد كلها بتقشر جمبري ،خير من عند ربنا، ،أنا بقشر مكان أمي، ونفسي اطلع دكتورة".

كما تمنت" رانيا" أن تصبح في يوم من الأيام دكتورة اجتمعت سيدات القرية على أمنية واحدة؛  هي أن تعود بحيرة قارون كما كانت تعج بالخيرات ويعود رجال وشباب القرية لتدب الحياة بها من جديد .