هل يمكن لإعلان النهضة ضمان حقوق مصر وحصتها المائية؟!
ربما يفتح إعلان مبادئ سد النهضة، الذي وقعه الرئيس السيسي مع الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلا ماريام ديسالين الطريق إلى علاقات أكثر شفافية ووضوحا بين مصر وإثيوبيا، تعزز تعاونهما المشترك بحثا عن تسوية صادقة لقضية سد النهضة، تمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها في التنمية، والحصول على طاقة كهربائية نظيفة دون الإضرار بمصالح مصر المائية، خاصة أن مصر تعتمد في وجودها وحياتها على نهر النيل الذي يشكل المصدر الوحيد لأمنها المائي بنسبة تتجاوز 97% في الزراعة والصناعة ومياه الشرب، ويكاد يكون النيل شريان حياتها الوحيد منذ آلاف السنين.
وربما ينجح اتفاق المبادئ في إرساء بعض القواعد العامة والمبادئ الأساسية، التي تضمن عدم الإضرار بمصالح الأطراف المعنية، وتنظيم عملية ملء خزان السد، وضمان حسن تشغيله دون الإضرار بمصالح مصر خلال فترة ملء الخزان.
ومن المؤكد أن اتفاق المبادئ يمثل خطوة أولى على الطريق الصحيح تزيد من عوامل الثقة المشتركة بين مصر وإثيوبيا، وتفتح آفاقا جديدة في علاقات التعاون بين البلدين، وتضاعف ثقة الجميع في أن التسوية السلمية لقضية سد النهضة هي أسلم الطرق وأكثرها ضمانا لحقوق الجميع، خاصة أن اتفاق المبادئ يؤكد على تبادل المعلومات في شفافية كاملة، وعلى تعاون الدول الثلاث، وتنيسق عمليات تشغيلها للسدود المقامة على النهر بما يضمن توازن المصالح المائية للجميع. واحترام نتائج وتوصيات الهيئة الاستشارية الدولية التي تختارها الدول الثلاث، وتحتكم إليها في قضايا أساسية تتعلق بسلامة بناء السد وحجم ارتفاعه وسعة خزانه، وضمان مصالح دولتي المصب مصر والسودان.
كما ينطوي الاتفاق على عشرة مبادئ هامة لتحقيق التعاون بين الدول الثلاث على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة ومبادئ القانون الدولي، وعدم التسبب في ضرر ذي شأن لأي من أطراف الاتفاق، وضمان الاستخدام المنصف لمياه النهر أخذا في الاعتبارالعناصرالجغرافية والمائية والمناخية، والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض، والاستخدامات الحالية والمحتملة لمياه النهر، وامتداد مساحة الحوض داخل كل إقليم.
كما يركز اتفاق المبادئ على القواعد الأساسية لملء خزان السد وطرق تشغيله السنوية باعتبار أن الغرض الأساسي من سد النهضة هو توليد الطاقة الكهربائية دون الإضرار الجسيم بمصالح أي من الأطرف، أخذا في الاعتبار أن على الدولة المتسببة في هذا الضرر اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف هذا الضرر أو منعه مع قبولها لمبدأ التعويض.
واتفاق المبادئ بهذا المعنى لا يشير من قريب أو بعيد لحصة مصر المائية، لأن ذلك يدخل في إطار استخدامات مياه النهر التي تنظمها اتفاقية قانونية تتعرض تفصيلا لهذه الاستخدامات في إطار مبادئ القانون الدولي التي تنظم العلاقات بين الأطراف المتشاركة في الأنهار الدولية، إضافة إلى عدد من الاعتبارات الأخرى المتعلقة بالجغرافيا المائية والاحتياجات السكانية وحجم مساحة حوض النيل داخل هذه الدولة.
وما من شك أن اتفاق المبادئ بهذا المعنى يشكل، كما أكد الرئيس السيسي في كملته بعد توقيع الاتفاق، مجرد خطوة أولى في تعاون مصر وإثيوبيا على إنجاز تسوية سلمية متكافئة لمشكلات سد النهضة، تضمن حصة مصر المائية، وتوفر على البلدين مخاطر الدخول في نزاع طويل باهظ الكلفة يضر بمصالح كل منهما، لأنه إذا كان الإثيوبيون يرغبون في تنمية بلادهم، وهذا حقهم الذي لا يختلف أحد عليه، فإن هناك شعبا في مصر يعيش منذ آلالف السنيين على مياه النهر (كما قال الرئيس السيسي)، حيث تنزل مياه الأمطار من عند الله على الهضبة الإثيوبية لتصل إلى مصر تشكل شريان حياتها الوحيد.
وبهذا الوضوح الشديد، الذي لا يحتمل لبسا في الفهم أو التأويل وضع السيسي القضية في إطارها الصحيح، واعتبر اتفاق المبادئ مجرد خطوة تعبر عن حسن النيّات، وتعزز فرص التعاون وصولا إلى التسوية المتكافئة، لأن اتفاق المبادئ وحده لا يكفي لإزالة هواجس القلق والتوتر التي خيمت على العلاقات المصرية الإثيوبية؛ نتيجة الخلافات حول سد النهضة، ولأن حقوق مصر في مياه النيل التي تتعلق بوجودها وحياتها لا بد أن تكون واضحة ساطعة كشمس النهار لا تتخفى خلف صيغ عامة، يمكن تأويلها على أكثر من وجه، أو تظهر بين السطور على استحياء في عبارات إنشائية لا تفيد شيئا محددا، ولا تشكل إلزاما قانونيا واضحا.
ولست أشك في أن الرئيس السيسي سوف يكون واضحا وشفافا في خطابه المتوقع أمام البرلمان الإثيوبي، مع تأكيده المستمر على أن أحدا لا يستطيع أن يعترض على حق الإثيوبيين في استخدام مياه النهر لتوليد طاقة كهربائية نظيفة لتنمية بلادهم، شريطة عدم الإضرار بمصالح مصر المائية وحصتها المحدودة التي لا تتجاوز 55 مليار متر مكعب رغم زيادة عدد سكانها إلى حدود 90 مليون نسمة، خاصة أن مصر تتواجد في إقليم بالغ الجفاف قليل الأمطار بينما تتساقط على دول المنبع ما يزيد من 1660 مليار مترمكعب من مياه الأمطار يذهب أغلبها هباء إلى المحيط.
وما من شك أن سياسات السيسي تجاه إثيوبيا وحرصه على التسوية السلمية لقضية سد النهضة، واعتقاده في ضرورة الحوار مع إثيوبيا وجدواه، يمكن أن تحقق نجاحا كبيرا إن توافر حسن النيّات والرغبة المخلصة بعدم الإضرار بمصالح أي طرف، خاصة أن الاتفاقات الدولية التي تنظم حقوق مصر في مياه النهر لا تزال قائمة، لا يستطيع اتفاق المبادئ أن ينسخها أو يلغيها لأنه يكاد يكون نوعا من إعلان حسن النيّات ينتظر صدق التطبيق، يحدد عددا من القواعد العامة التي يمكن أن تساعد كل الأطراف على رسم خارطة طريق للوصول إلى اتفاقية قانونية شاملة تضمن حقوق مصر المائية، وتفتح الآفاق لمزيد من التعاون مع دول حوض النيل لتحقيق مصالح مشتركة، يتحتم أن يكون لها الأولوية القصوى لأن فواقد نهر النيل التي تضيع هدرا في مناطق المستنقعات ضخمة وكبيرة، سواء في مناطق جونجلي جنوب السوادن أو نهر الكونغو الذي يضيع أغلب مياهه في المحيط.
وثمة فرصة هائلة في تعاون دول الحوض على بناء عدد من المشروعات المائية الكبرى، التي تزيد من إيراد النهر، وتزيد من نصيب دوله من المياه، وتولد المزيد من الطاقة.
ولهذه الأسباب يؤمن الرئيس السيسي بأفضلية التعاون مع إفريقيا، والحرص على توثيق علاقات مصر بدول حوض النيل خاصة إثيوبيا وأوغندا، والوقوف إلى جوار الدول الإفريقية في حربها على الإرهاب، وما من شك أن هذه الجهود أزالت شكوكا وهواجس إفريقية كبيرة، تنامت خلال حكم جماعة الإخوان المسلمين بسبب حماقة مرسي، الذي أذاع على الهواء فضيحة خططه الهزلية ضد إثيوبيا، التي أضرت بعلاقات البلدين طويلا.