التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 06:27 م , بتوقيت القاهرة

في ذكرى وفاته.. يونس شلبي الذي خدعنا وظل طفلا

أن تظل طفلا، هي أمنية يتمنها الجميع، فما أجمل من الطفولة كمرحلة عمرية، لا مسئولية، ولا أحمال واحلام طفولية وردية، وبهجة متعددة الاتجاهات، الطفولة هي تلك المرحلة التي حينما نكون فيها نتمنى أن نخرج منها سريعا وحينما نتجاوزها نحن لها دوما، ولكنني لا أعتقد أن يونس شلبي أراد يوما ان يعود للطفولة.


ولكن المعجزة الحقيقة لا أن تعود طفلا فهذا غير ممكن على الإطلاق، ولكن أن تظل في عيون كل من يشاهدك ذلك الطفل المبهج الساذج طيب القلب، في كل أعمالك المضيئة تكون تلك الشخصية الطفولية التي قد توقع الأخرين في مشكلات عديدة ولكن لا يستطيع أحد ان يحاول إيذائها.


يونس الطفل الذي عاش



البداية الحقيقة لهذا الطفل -الذي ولد في 30 مايو عام 1940-حينما كان "منصور" تلك الشخصية التي حولها عبد الله فرغلي إلى مصرية من ذلك النص المسرحي الذي قام بتمصيره ليتحول إلى "مدرسة المشاغبين" قبل أن يكمل ما بدأه الكاتب على سالم، وينسب العمل كله له دون ذكر اسم فرغلي.


منصور هو طالب ساذج، يعاني من أزمة أنه أبن الناظر، وأنه يرى نفسه فنان، في هذا الدور قدم يونس شلبي نفسه حرفيا للجمهور، تقاربه القليلة وقتها كانت تعد على أصابع اليد الواحدة وكانت كلها تجارب محدودة الانتشار، إذا يمكننا القول ان يونس شلبي عرفه المشاهد الساذج المتلعثم في الحديث، والذي يفقد تركيزه من أبسط الأشياء.



في مدرسة المشاغبين كان هناك مساحات قليلة للثلاثي "هادي الجيار، أحمد زكي، ويونس شلبي" مقارنة بمساحات فردت للثنائي "سعيد صالح وعادل إمام" وبمصطلح العاملين في المسرح كان الثلاثي " يونس، زكي، الجيار" يقومون بتمهيد وتجهيز القاعة والموقف ليقوم عادل أو سعيد بإلقاء " الإفية" أو ما يسمى في لغة المسرح " فرشة الإفية"، ولكن هذه المساحات لم تمنع يونس من ممارسة كوميديته الساذجة المحببة للنفس، فيلقي أفيه أو أخر كلما سنحت له الفرصة ليخرج من الفائزين في هذا العمل.


تلك الشخصية يبدو انها التصقت بيونس شلبي التصاق الملامح بالوجه، فكل عمل ظهر فيه يونش شلبي بعد ذلك جاء تنويعة على شخصية الساذج طيب القلب، وكأنه القالب الذي أصبح سجن صاحبه، وللحقيقة لم تسنح الفرصة ليونس شلبي أن يخرج طاقته كممثل ظلت طيلة الوقت حتى وفاته طاقة خفية نشعر بها أحيانا ولكننا لا نراه على الإطلاق.


طاقة خنقتها السذاجة



من خرم أبره كما يقولون، يفلت يونس شلبي من حصار هذا القالب، ولكن هذه المرة بتحدي من أصعب ما يكون، عام 1979 عرضت مسرحية العيال كبرت، المسرحية التي ألفها بهجت قمر وأخرجها سمير العصفوري وحفظناها عن ظهر قلب، ومازلنا ننتظرها في كل مرة عرض ونشاهدها عبر الإنترنت من الحين للأخر.


التحدي هنا كان تحدي جماعي ولكن أصعبه كان بين يدي يونس شلبي، هل تتخيل أن سعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وحسن مصطفى وكريمة مختار ونادية شكري ومن قبلها مشير إسماعيل، كانوا جميعا في مراحل عمرية متقاربة للغاية وعلى الرغم من ذلك استطاعوا جميعا ان يقنعونا بأدوارهم.


فنحن نقتنع أن حسن مصطفي يصلح ان يكون والد سعيد صالح وأحمد زكي ونادية شكري ويونس شلبي، دون أن نفكر لحظة في فرق السن الحقيقي بينهم، التحدي الأكبر فعليا كان من نصيب يونس الذي عليه أن يقنعنا أن سعيد صالح الذي كان زميل له في المشاغبين هو الان شقيقه الأكبر، وحسن مصطفى والده، وانه طفل او على أحسن الفروض صبي على اعتاب المراهقة، كيف هذا وانت تلمح في المسرحية تلك الذقن الخضراء وهذا الجسد الضخم الكبير.



البداية التي خولت ليونس شلبي ان يفوز بهذا التحدي هي الملابس فجميع ملابس عاطف السكري ملابس طفل بالفعل، ولكن هل كانت الملابس وحدة كفيلة بإنهاء الأمر؟ بالطبع لا، هنا جاءت تلك الطاقة التي اختفت كثيرا، خرجت بذكاء مستغلا يونس الدور الذي طالما قدمه" الساذج" ليضيف إليه تفاصيل طفوليه تجعلنا نتناسى سنه الحقيقة ليظل عاطف السكري ايقونة طفولية خالدة.


وكأن الطفولة قدر هذا الكوميديان سيء الحظ، العمل الأخر الذي خلد يونس في وجدننا كان مسلسل عرائس للأطفال، من منا -جيل الثمانينيات وما سبقه-لم يشاهد تلك الحلقات التي أخرجها ونفذ عرائسها فنان العرائس القدير رحمي، والتي كانت أحد طقوس رمضان الأثيرة، لنلتقي كل عام مع مغامرات جديدة لبوجي وطمطم.



تلك الصورة للقرد وشقيقته الأرنبة، ظلت خالدة في نفوسنا فلم نستطيع أن نري يونس شلبي بعد ذلك إلا منصور عبد المعطي ساذج مدرسة المشاغبين، أو عاطف السكري الطفل الأكول، او بوجي القرد الفصيح، وكأن تلك الرحلة الطويلة في عالم التمثيل والتي امتدت لما يزيد عن 157 عمل فني بين مسرح وتلفزيون وسينما وإذاعة كان مفادها أن يصبح يونس شلبي خالدا في ذهن الأطفال فحسب، اما باقي ما قدمه فربما يتذكر الجمهور دور او أخر ليونس شلبي ولكنها أدوار دارت للأبد في فلك الساذج الطفولي، فنحن "العيال" كبرنا بينما أنت مازالت طفلا يا "عاطف"، ليرحل عن دنيانا في 12 نوفمبر عام 2007.