التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 12:00 م , بتوقيت القاهرة

محمود العربي يضرب بـ"صٌنّاع الثقة" المثل للشباب المصري

قصة نجاح كبيرة، احتاجت 50 عاما لتترك علامة في كل بيت مصري، فلا يوجد منزل في المحروسة لا يحوي جهازا خرج من مصانع "توشيبا العربي"، وأبدعه أحد "صٌنّاع الثقة" مثلما أطلق عليهم جمهور المستهلكين في مصر، بعدما اعتمدوا عليهم في توفير أجهزتهم المنزلية، ما بين تليفزيون وشاشة عرض وراديو ومروحة وغسالة وثلاجة وتكييف ولاب توب، وغيرها من المنتجات.



بطل القصة هو الحاج محمود العربي، الذي بدأ حياته من "أبورقبة"، إحدى قرى محافظة المنوفية، منذ 8 عقود، حينما كان طفلا لمس في نفسه حبا للتجارة، ما شجّعه على طلب مساعدة أخيه ليشتري له مجموعة لعب أطفال يبيعها في العيد على "المصطبة" لأبناء قريته، وقد كان، وربح بضعة قروش، فَرِحَ بذلك وأراد إعادة الكرّة مرة أخرى، ما كان مؤشرا لبروز شخصية عصامية ربما تضع قدميها بخطى ثابتة على طريق التجارة الطويل.



ومثله مثل كثيرين في ذلك الوقت، قرر محمود الذهاب إلى القاهرة ليشق طريقه من هناك، بدأ بـ 120 قرشا في الشهر أجرا مقابل العمل في أحد محلات الموسكي، جرّب التجارة القطاعي وأخذ خبرة كبيرة، ما دعاه إلى تجارة الجُملة، وبعد وقت كافٍ مع مزيد من الاجتهاد والصبر والتعلّم وصل مرتبه إلى 7 جنيهات كاملة، في بداية الستينات، ليقرر بعدها الاستقلال وبدء مشروعه الخاص.


بدأ بمحل في منطقة الموسكى، ليستطيع بعد 20 عاما من التجارة تحت اسم "العربي" الحصول على توكيل "توشيبا" اليابانية في مصر، ثم تفعل هذه الشراكة فعلها، وتشتهر "توشيبا العربي" بمنتجاتها المتنوعة ذات الجودة أولا وعمر الضمان الطويل ثانيا، وتنتشر موزعوها وموكلوها وفروعها في جميع محافظات مصر وقراها ونجوعها.



يدير الشركة المعروفة الآن أبناء وأحفاد محمود العربي، مع أحفاد أخويه محمد وعبدالجيد، اللذان اشتركا معه حين قرر الاستقلال وافتتاح محل في الموسكي، في شراكة عائلة أتت ثمارها وأينعت وما زالت تقدّم جديدا وتضرب المثال على رجاحة العقل المصري واصطياد الفرص حينما تأتي، مع وضع الجهد المطلوب.



يقدّم محمود العربي نصائحه للشباب المصري، في كتاب صدر حديثا عن دار نهضة مصر بعنوان "سر حياتي"، ويعددها، فيرى أن "الفرصة الذهبية هي التي تصنعها أنت بمجهودك، بعقلك، وساعديك، بتعاونك الجاد المتكافئ مع الآخرين، أما فكرة اقتناص الفرصة بسهولة كمن ينتظر أن تطفو سمكة على سطح الماء، والإمساك بها دون "صنّارة" أو شبكة، فهذا وهم وخيال وانتظار لأمل لن يحط أبدا على أرض الواقع.


انتهاج محمود العربي للأسلوب العلمي في عمله جعله لا يترك مجالا للصدفة، أو لما يسمى "الحظ"، وهو ما أكد عليه مرارا في كتابه، كذلك أكد أن "الأمانة هي العنوان، فمن أراد أن يسلك الطريق الذي سلكته شركة العربي وينجح كما نجحت عليه أن يكون أمينا".



وضع العربي "منظومة قيم" لشركته الكبيرة، واصفا إياها بأنها هي التي تحدد درجة قوة وقدرة أي كيان على الاستمرار، وإحدى هذه القيم على سبيل المثال "عدم تغيير الكلمة مع العملاء، مهما كانت الخسائر".


يقول "صانع الثقة": خلال مشوار حياتي، أيقنت أن نقل الخبرات هي أساس نجاح أي مشروع كبير، وآمنت أن التعليم والتربية بالاقتداء هما الأنجح بلا شك، فكان أهم شيء عندنا أن يكون كل المديرين والقادة قدوة طيبة لكل تلك الأعداد من الشباب والبنات الذين قدّر الله لهم أن يعملوا معنا.



منذ أيام احتفل "التاجر" محمود العربي، مثلما يحب أن يصف نفسه، بعيد ميلاده الـ 84، بعدما أصبح رمزا اقتصاديا مٌلهِما للمصريين، وزاد ذلك شرفا نجاح الشركة التي أسسها، وتقدّمها يوما بعد يوم، وكذلك ما أنجزه "العربي" بعد التعاون مع "توشيبا" من تطوير إيجابي للعلاقات بين مصر ودولة اليابان، واستحق عليه "وسام الشمس المشرقة" من يد الإمبراطور الياباني أكيهيتو، عام 2009، في حفل مهيب وبحضور رسمي من البلدين، ليعطي المؤسس رسالة شكر على مجهود السنوات، ويشحذ همّة الأحفاد لاستكمال مسيرة طويلة من النجاح بدأها طفل بقروش قليلة من إحدى قرى "المحروسة".