التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 03:51 م , بتوقيت القاهرة

جروبي.. حكاية أول صانع آيس كريم في مصر

جروبى أسطورة حية تقع في وسط القاهرة، ارتبط اسمه فى أذهاننا وأذهان الأجيال السابقة بزمن كانت فيه مصر تنعم اقتصاديا وحضاريا وفكريا، كان ملتقى للجاليات الأوربية المختلفة في مصر ومركزا لالتقاء أكبر العائلات المصرية فى ذلك الوقت، ورغم أنه لم يعد كسابق عهده إلا أنه ما يزال وجهة زوار القاهرة وقاطنيها.

يرجع نشأة جروبي إلى صاحبه صانع الحلويات والمخبوزات "جاكومى جروبي" الشهير بـ "جاك" الذي هاجر من سويسرا إلى مصر في آواخر القرن التاسع عشر ليكون واحدا من مؤسسي أعرق محلات الحلوى الشهيرة في مصر حتى الوقت الحالي.

بداية الخواجة "جروبي"

ولد "جاكومي جروبى" عام 1863 في سويسرا لأسرة ريفيىة متواضعة، وفي سن السادسة عشر بدأ تعلم مهنة صناعة الحلويات وبعدها سافر للعمل إلى مارسيليا وهناك تعرف على رجل الأعمال "جيانولا" والذي نصحه أن يسافر معه إلى القاهرة للعمل هناك، حيث كانت مصر في تلك الفترة يسكن بها العديد من الجاليات الأوروبية المختلفة، وشهدت تطورا اقتصاديا هائلا إلى جانب الانفتاح الذي كانت تعيشه بعد افتتاح قناة السويس.

سافر معه وعمل في مصنعه لعمل الحلويات في شارع البواكي بالأزبكية ثم انتقل بعد عامين إلى الإسكندرية للعمل في فرع جديد لمصنع جيانولا، وهناك تعرف على زوجته "أيجوني بينكالاني" التي كانت لها فضل كبير في مساعدته أن يصبح واحدا من أشهر مؤسسي محلات الحلوى في مصر، بفضل الدعم المادي الذي حصل عليه من أسرة زوجته استطاع أن يشتري مصنع جيانولا بعد القصف الإنجليزي على الإسكندرية عام 1882.

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن حيث تعرض جاكومى الى خسارة فادحة بعد ان دخل فى ثفقة مشروعات برج العرب وباع مصنعه وكل ممتلكاته فترك الاسكندرية وانتقل الى القاهرة عام 1891,

وبدعم زوجته وأسرتها قام بشراء مبنى في شارع عدلي بوسط القاهرة وأنشأ محله الأول هناك باسم "جروبي" وسكن بنفس مبنى المحل مع عائلته وأسس مكتبا في إحدى طوابقه، أما الدور الأرضي فأسس فيه ابنه "أكيلي" حديقة وصالون للشاي والحلويات حيث يعتبر جروبي أول مقهى ذو طابع أوروبى.

صانع الآيس كريم الأول

يعتبر جروبي أول من جلب إلى مصر الكريمة المخفوقة "الكريم شانتي" في القاهرة كما كان أول محل بداخله ثلاجة مخصصة لذلك الاختراع الجديد في ذلك الوقت وهو الآيس كريم.

يعد جروبى أول صانع للآيس كريم في مصر، وكان يطلق عليه "جيلاتى" ويقتصر على نوعين، اللبن والشوكولاتة، كما جلب إلى مصر أنواعا جديدة من أطيب وأجمل الحلوى التي عرفها المجتمع مثل "الميل فوي" و"أكلير" و "مارون جلاسيه" و"بول دى شوكولاه" وغيرها من الحلويات الأوروبية إلى جانب أطباق الحلوى المصرية مثل "أم علي"، وفي عام 1925 افتتح مع ابنه أكيلى فرع جروبى الثانى، باسم "J. Groppi" في وسط ميدان سليمان باشا "طلعت حرب حاليا" ثم فرع آخر في هليوبوليس بميدان روكسي.

في عام 1922، أسس جروبي في بولاق أحد أكبر مصانع الثلج الذي كان يمد القاهرة بأكثر من 3000 لوح ثلج يوميا، وتوسع فيما بعد في إنتاج الشيكولاتة والآيس كريم والأنواع المختلفة من المربى والعصائر الطبيعية.

كان يوجد ثلاثة طهاة يعملون في المطبخ، وكل واحد منهم مسؤول عن مرحلة واحدة فقط من الطهي، وكانت وصفات الأطباق كلها باللغة الفرنسية التي لم يكن العمال يفهمونها، وحينما عين جروبى مديرا سويسريا للمصنع، اضطر إلى أن يأخذ دروسا في الفرنسية ليتمكن من قراءتها.

ملتقى صفوة المجتمع

جروبى كان يخاطب صفوة المجتمع، يجتمع به المثقفون والأدباء وكبار رجال الأعمال والعائلات الأرستقراطية في تلك الفترة، يذهبون إليه بكامل أناقتهم، والنساء ترتدي فساتين السهرة الطويلة والفرو، ويبدو كأنهم ذاهبون إلى حفلة، كان يجتمع به كبار السياسين والوزراء وتقام به الحفلات الخاصة بالرئاسة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.

صورت به العديد من الأفلام الشهيرة داخل جروبي منها "العتبة الخضرا" لإسماعيل ياسين و"يوم من عمري" لعبدالحليم حافظ و"حلاق السيدات" لعبدالسلام النابلسي، وفي الوقت الحالي تم تصوير مشاهد من فيلم "عمارة يعقوبيان" كما اعتاد العديد من الفنانين والمشاهير الارتداد على المحل حتى الآن.

ومن الداخل لا يزال جروبي يحتفظ ببعض الآثاث القديم في أفرعه الثلاثة الذي يرجع لمطلع القرن العشرين، كما أن العاملين به حتى الآن محتفظين بالملابس الكلاسيكية الأنيقة وكأن الزمن يعود بك إلى أجواء مصر في فترة سبعينات القرن الماضي، وبداخل المحل تنطلق الموسيقية الفرنسية الكلاسيكية في أرجاء المكان ليصبح مكانا محتفظا بطابع خاص حتى يومنا هذا.

وفي عام 1981، اشترت الشركة العربية للأغذية جروبي من آخر ورثهة للمحل وهم "بيانكى" و"شيزار" بعد أن قررا تصفية جميع أموال العائلة في مصر والعودة إلى سويسرا، وقد فضل مالك المحل عبدالعزيز لقمة أن يظل جروبي بنفس الاسم ومحتفظا بأصالته وطرازه طوال تلك السنين الماضية حتى يومنا هذا.