ألف مشهد ومشهد (34)
ثقة بـ النفس لا نهائية وغير مبررة.
هو لا ذكي ولا ماهر ولا موهوب، معرفته بـ شغلانته أقل بـ كتير من إنه يكون مجرد نفر، لا يمكن تعتمد عليه حتى في أبسط الأمور، عمره ما تولى مهمة وأنجزها، كل اللي حواليه متميزين عنه على الأقل في حاجة. عايش وسط ناس عظماء، هو أول واحد ما يعرفش قيمتهم، وآخر واحد ممكن يكون مفيد ليهم في أي حاجة.
ومع ذلك، مع كل ذلك، هو الريس والمدير، اللي مش شايف نفسه في حاجة أقل من إنه يكون الريس والمدير، حتى وهو بـ يدير الفرقة الموسيقية بـ حتة خشبة مقطوعة من نخلة جربانة.
لما الناس تقعد تقول هي ممكن تعمل إيه لـ حل الزنقة (بـ غض النظر عن طبيعة الزنقة) فـ ده يقول إنه هـ يسرح بـ معزة، وده هـ يبيع لوتارية، وده ما يعرفش يعمل أي حاجة فـ يمتنع عن الأكل واستهلاك الموارد، هو بقى بـ يشوف وظيفته إنه يباشر أعمالهم، يصدر الأوامر ويلم الفلوس، مع إنه إداريا أفشل من إنه يدير نفسه.
مصمم على إن الكل تلاميذه، وبـ يعرف نفسه إنه البروفيسور، ولما يسلم شغل هو ما عملوش وما يفهمش فيه، لـ بروفيسور بـ جد، ويتزنق في إنه مضطر يشرح إيه اللي في الشغل ده، يقول: لا، دي حاجات بسيطة، عاملها واحد من اللي شغالين تحت إيدي.
واحدة ضفرها بـ رقبته، بـ تحبه، بـ تموت فيه، بـ تضحي بـ أي حاجة وأغلى حاجة عندها علشان تنول الرضا، بـ تكتب اسمه على هدومها، بـ تطبع صورته على مخدتها، بـ تهيم فيه وكل حلمها إنها تتجوزه، لكن زي المثل بـ يقول: "عبر العفش يتنفش"، فـ تلاقيه بدال ما يحمد ربنا على إن حد بص له، طول الوقت متبرم ومشمئز وقرفان وبـ ينعى حظه، إن "ناس ليها بخت وناس ليها ترتر".
لما يتنازل أخيرا ويتجوزها، وهو مغمض العينين مسدود الأنف والأذن والحنجرة، ويدفن نبوغه وعبقريته، ويضحي (بـ إيه مش عارف!) فـ تجيب له الفطار في السرير، وتسمعه قصيدة ما قالتهاش شهرزاد لـ شهريار: صباح الورد صباح الفل والنرجس والياسمين، نوم العوافي يا عريس متعافي يا أسطى في المزيكا وخلافه، فـ يرد عليها بـ كلمة واحدة: "صباح"، حتى من غير "الخير"، ويرش المكان اللي كانت فيه بـ البيروسول، المعفن.
فظيع فظيع.
ومع ذلك، مع كل ذلك، ابن حرام، لازم تحبه، وتحب غروره اللي مفيش عليه أي أمارة، وتحب خفة دمه، وتحب عجنته اللي مالهاش مثيل، وتاخده على قد عقله، وتهاوده، وتحشر اسمه في أي حاجة، وبدال ما تبقى الابن الروحي للمايسترو مختار صالح، الشهير بـ جاد الله، تبقى "ابن جاد الله، وأخو حسب الله" ويبقى هو أخوك الكبير، أخوك المهم.
هو ده حسب الله السادس عشر، اللي ممكن تشوفه حواليك في كل مكان، في كل الوظائف، في كل الأعمال، في كل المجالات، قيادات قيادات قيادات، بلد مليانة قيادات، عايزين يبقوا جنرالات يديروا عساكر، حتى لو ما ينفعوش عساكر في مجالهم، مش مهم.
الحمد لله إنه في الآخر، لما لقى إنه كان بـ يشتغل تحت إيديه أهم مايسترو في البلد من غير حتى ما ياخد باله إنه مش مجرد آلاتي بسيط، قرر إنه يتنازل على اللقب، ويبقى حسب الله بس، من غير سادس عشر.
بس ده يدوب يحصل في فيلم، كل شخصياته بـ تغير موقفها من غير أسباب، إنما حوالينا، تفتكر فيه كام حسب الله، ممكن يعرف إنه مجرد بق، وياخد باله إنه لابس بدلة القائد على بيجاما كستور.
كام واحد؟
محدش