صباح الحواديت.. (يوسف العصفور)
سأل الولد الصغير الشقي (يوسف) صديقه العصفور الصغير:
- ولماذا مللت التحليق والرفرفة وصرت كسولاً تنام بالساعات هنا على حافة شباكي؟
- العصفور: الهواء يحمل لي الى هنا فتاتاً من المطابخ المحيطة
- يوسف: أليس الطيران مثيراً ؟!
- العصفور: أنا لا أحبه.
- يوسف: كيف ؟!
- العصفور: ربما بسبب ضعف عضلات جناحي.
- يوسف: هذا لأنك لا تقوم بالتمارين الكافية.. هل حاولت ؟
"كانت أم يوسف تتنصت على الحوار الدائر كما تفعل كل يوم . كاظمة غيظها من ابنها الذي لا يكف عن التساؤل حتى مع الغرباء"
- العصفور: لا طاقة بي لتمارين أو غيره . حياتي متعبة وشاقة .. أكرهها .
- يوسف: انها مدهشة حرام عليك يا أخي .
- العصفور: ما إن نبت جناحاي وكساهما الريش علمتني أمي الطيران بسرعة وانصرفت عني كأنما تتخلص مني . كنت سعيداً قبل ذلك أبقى في العش وتأتيني هي بالأكل . أما الآن فشقاء .
- يوسف: شقاء!!!! يالحظك الرائع . أنت غبي.
- العصفور: تقول هكذا لأنك تنعم بظل شقتكم و برودة الماء وألوان التليفزيون وتأتي لك أمك بالأكل.. لا تكذب فأنا أراك.
- يوسف: لا ترى كذلك أن حياتي سخيفة .
- العصفور: سخيفة !!! أنت جاحد. لماذا إن شاء الله.. ماذا يضايقك؟
- يوسف: الكبار يريدونني دائماً أن أطيعهم .
- العصفور: يكفيك هناءً أنك تعرف ما يجب أن تفعل.
- يوسف: وإن لم أفعل يعاقبونني ويحرمونني من بعض الأشياء.
- العصفور: كم هي حياة سهلة. فقط تطيع فيأتي لك كل ما تحب.
- يوسف: لكنك حر تطير لأي مكان وتطيع روحك.. أتفهم؟
- العصفور: افهم أنت.. أنت مرتاح كما أن عمرك كبني آدم أضعاف عمري كعصفور.
- يوسف: ألا تفرح عندما تترك نفسك لنفسك هكذا.. طليقاً ترى في اليوم الواحد ما لا أراه في أعوام وربما في كل عمري.
- العصفور: هذا اليوم الذي تتحدث عنه قد لا أجد فيه أكلاً فأقضيه جائعاً .
- يوسف: وأنا علي أن أنفذ ما قال جدي لأبي وأبي لأمي وأمي لي ويسمى الأدب. وإن لم أفعل قد أضرب وأنام باكياً.. وعندنا شيء اسمه الجنة والنار.. الجنة جميلة والنار حارقة.. وفوق ما سبق سأدخل النار أيضاً لأنني لا أسمع كلام أبواي... تخيل! أما الجنة فيدخلها المطيعون فقط وفيها ينعمون بالكسل ولا يفعلون شيئا وكأن هذه ميزة .
- العصفور: أنت الغبي لا أنا . ماذا يضيرك ! أطعهم والتزم بالأوامر والتهم الطعام الحلو واشرب الماء البارد وتلق الألعاب وادخل الجنة هذه.. تنام فيها ولا تصحو إلا للأكل واللعب .
- يوسف: أنت لا تفهم .
- العصفور: أنت الغريب .
- يوسف: هل نبدل ؟
- العصفور: طبعاً موافق .. لكن أحذرك أنك ستحيا وقت قليل.. وستقضي أيامك في البحث خلف الدفء والغذاء.. وبعد الموت ليس لدينا ما لديكم من حياة أخرى .
- يوسف: وأنت ستسمع الكلام وتفعل مثلما يقول الناس حتى تموت ولن تطير براحتك أبداً أبداً .
- العصفور: أنا موافق .
- يوسف: وأنا موافق.
- العصفور: لكن كيف ؟؟
- يوسف: دعنا نسأل ربما يرشدنا أحد الكبار.
(( وهنا اندفعت الأم لداخل الحجرة .. فهم يوسف أنها سمعت فاضطرب.. ونفر العصفور)).
- الأم: اهدآ ولا تخافا.. سمعت كل شيء.. وبصراحة أنت عصفور طيب ووديع وسترحمني من هذا الولد الشقي المتعب.. وعندي الحل لما اتفقتما عليه. فأنا أم ودعاء الأم من قلبها مستجاب.. سأذهب لغرفتي الآن.. وكل يوم سأدعو أن يصير يوسف عصفوراً ويصير هذا العصفور ابنًا لي.. لكن عليكما أن تصبرا ولا تتحادثا وتزعجاني خلال هذه الأيام.
خرجت بهمة وتركتهما لامعي العينين مبهورين يرتعشان من السعادة لكن العصفور وكأنما تذكر أمراً أقلقه سأل يوسف:
- أنا فرح جداً أننا وجدنا طريقه لكنها تقول أنها ستدعو! أتثق في موضوع الدعاء هذا؟
- يوسف ( حاسماً الأمر ومؤكداً): طبعا يا بني اطمئن تماماً.. أبي وأمي أكدا لي ألف مرة أن دعاء الأم مستجاب.
- العصفور: إذًا سأذهب الآن ولن أعود إليك حتى تنتهي هي من دعائها وأصير أنا يوسف داخل الحجرة وأنت العصفور.
- يوسف: اتفقنا.
وذهب العصفور كما ذهبت الأيام والأسابيع. ولم يعد العصفور إلى الشباك وما أصبح طفلاً قط . تاركاً يوسف ليعيش مع أبويه حزيناً يائساً أكثر لأنه فوق ما كان يحزنه سيضطر أن يتحمل حقيقة جديدة . وهي أنهما يكذبان أيضاً .
للتواصل مع الكاتب