التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 07:10 ص , بتوقيت القاهرة

ألف مشهد ومشهد (28)

المسافة بين خطاب يوليو والنموذج اللي طرحته زي المسافة بين القطب الشمالي والجنوبي، زي المسافة بين الشرق والغرب، زي المسافة بين الاشتراكية والرأسمالية.


خطاب يوليو فيه أحلام جماعية، فيه أمة عربية من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، فيه مساواة وتذويب الفوارق بين الطبقات، فيه: "مفيش أنا فيه إحنا يا صاحبي" زي ما غنى عبد الحليم، لكن النموذج اللي قدمته دولة يوليو نموذج في منتهى الفردية، الحلم الأساسي فيه هو الصعود الطبقي لـ شخص واحد نتيجة تميزه النوعي.


أفلام عبد الحليم فيها الفكرة دي دايما، فكرة الصعود، الشاب اليتيم الفقير، اللي بـ يواجه ظروف صعبة بـ أحلام عريضة، لـ حد ما ينجح، ويبقى البريمو.


عادة العلاقة بين عبد الحليم وحبيبته في الأفلام، بـ تبدأ بـ إنه بـ يحبها، ويبقى ما ينفعش يرتبط بيها علشان الفارق الطبقي بينهم، وغالبا بـ يتفوق لـ درجة إنه لما بـ يتجوزها بـ يبقى فيه كده نوع من التنازل في إنه "رضي" يتجوزها.


قبل حليم، الأفلام كانت بـ تعالج المشكلة الطبقية بـ الرضا، وفكرة إن الحب مش بـ يفرق بين غني وفقير، والموضوع قدري، وغالبا الموضوع كان بـ يتحل بـ إن فيه ثروة مفاجئة بـ تهبط على الفقير  تخليه غني، ومصايب تنزل ترف على الغني تخليه فقير، لـ الدلالة على إن الحكاية "رزق"، ومالهاش أسباب.


حليم خلق فكرة الصعود الطبقي الفردي المنظم، اللي هو بـ نشوفه في شارع الحب، أول حاجة بـ نشوفها منها، هي رجليه اللي طالعة من الجزمة المقطوعة، وهو بـ يستجدي شغلانة فراش، لـ حد ما مصر كلها تعترف بيه في آخر الفيلم، مع ملاحظة حاجة، إن شارع الحب يكاد يكون استثناء في أفلام حليم، لأنه طالع فيه مطرب، إنما غالبا غالبا، كان بـ يشتغل الوظائف المحببة للطبقة الوسطى وقتها، خصوصا مهندس، ودي كانت ملحوظة ذكية من الناقد عصام زكريا في كتاب عمله عن أفلام حليم، وكان كتاب رائع.


ممكن هنا نفكر إن يوليو دخلها إيه؟


الحكاية دي هي حكاية حليم نفسه، هو كـ مطرب ناجح محبوب مشهور، كان بـ يقدم حياته كـ نموذج، شاب فقير يتيم، اتربى في ملجأ، واترفض في البداية من الجميع، لـ حد ما أثبت نفسه، وفرض موهبته، أو موهبته فرضته على الجميع.


كلام صحيح، بس يوليو سوقت النموذج ده، وتبنته، وكان واضح إن عبد الناصر شخصيا كان بـ يهتم بيه، وبـ يدافع عنه، وشفنا في سلسلة "حليم .. الحلقة الأخيرة" لما حليم تعرض لـ مشكلة الفلوس، عبد الناصر نفسه تدخل وحماه، وعموما طبعا من حق كل حد يشوف اللي هو عايزه.


المجتمع بقى دوره إيه في ده؟


دوره إنه يوسع للموهبة، ويضحي علشانها، وفيه مشهد في أوائل الفيلم، لما حسين رياض بـ يقف يخطب، إن "منعم" مش لازم يتمرمط زي ما إحنا بـ نتمرمط، إحنا لازم نساعده على إنه ينجح، ويترقى، لأنه صوتنا المعبر عنا، وهو حلمنا وأملنا، وهو اللي هـ ياخدنا تحت جناحه، فـ تلاقي "المجتمع" المتمثل في الفرقة، بعد ما كانوا معترضين على استثناؤه من الشقا، بدؤوا يتحمسوا لـ فكرة إنه يدرس في معهد الموسيقى، وكل واحد "يضرب التاني قلم" لأنهم مكنوش "أنانيين" ومش مقدرين الموهبة والكنز اللي في إيديهم.


التضحيات كانت بـ كل حاجة، حتى سنية ترتر ضحت بـ دهبها علشان تعليمه، لأن ده حتى مختار صالح، أو جاديليو بـ يقرر يضحي بـ حريته وسمعته، ويفضح سره اللي اجتهد 25 سنة في إخفاؤه، ويتعرض لـ السجن، ويصر: "إنت اللي هـ تغني الليلة يا منعم".



الفيلم لسه كنوز بـ هذا الخصوص


فـ ابقوا معنا