التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:04 م , بتوقيت القاهرة

النص حالة

امتلاء أي وعاء في حياتنا يعتمد على مدى احتياجنا لملء هذا الوعاء ومدى قدرتنا على فعل ذلك، وبمقدار هذين العاملين، إضافة إلى التفاعل الدائم بين الأوعية، يكون مقدار امتلاء الوعاء.


"النص حالة" هي تلك اللحظة الزمكانية التي تشك عندها في مسمى حالتك، وفي النتيجة التي وصلت إليها. يمثلونها بشكل أراه سطحيًا في المثل الشعبي "زي اللي رقصوا على السلم، لا اللي فوق شافونا ولا اللي تحت سمعونا"، ومع أن هذا المثل يتحدث عن وجهة نظر الآخرين فينا وحكمهم علينا، إلا أنه لايزال يتحدث عن أحد أشكال  "النُص حالة".


لكن هناك هذا الشكل الذي يظل يخصك أنت وحدك بل بالعكس قد يكون ضد نظرة الناس الإيجابية عنك:


تعمل ومستقر ولك دخل مميز لكن لا تشعر بالنجاح.
هناك شخص في حياتك العاطفية لكن لا تشعر بالاحتواء.
تشعر بحب كبير تجاه أطفالك لكن لا تشعر بأنك أب ناجح.


وكثير من الاحتياجات التي نقف عاجزين أمام محاولة تفسير لماذا لازلنا نشعر تجاهها بالنقص. لماذا أنا: "نص ناجح" "نص محبوب" "نص أب" "نص مثقف" "نص فاهم" "نص حر" .. لماذا أنا "نص حالة"؟!


هناك ثلاثة أشكال- من وجهة نظري- تُعبر عن "النص حالة"
الشكل الأول: ويكون إيجابيًا ويجتمع فيه الاحتياج والمقدرة ولا يكون الإحساس بالنص حالة إلا مجرد تعبير عن حالة الاحتياج الجامح والنهم الشديد، والمقابل له مقدرة على بذل المطلوب من أجل الوصول للهدف المراد. نجد ذلك مثلا في الرياضيين الناجحين، والمثقفين الباحثين عن الحقيقة، والمحترفين من محبي أعمالهم. ومع أن الأمر هنا إيجابي، إلا أن النهم قد يتحول إلى إدمان وفقدان الحماسة لأي شيء آخر، والذي يؤثر في النهاية على الشخص نفسه والمحيطين به.


الشكل الثانى: والذي يكون فيه الاحتياج في أقصاه وتكون القدرة محدودة، إما لنقص الإمكانات أو لأنها ببساطة في يد شخص آخر. فالمحب العاشق بالرغم من احتياجه الجم وإظهاره له بمناسبة وبدون مناسبة، إلا أنه وببساطة لا يملك القدرة على إجبار محبوبه أن يحبه كيفما يريد بالقوة والعاطفة التي يحتاج إليها. فيظل حبيس هذا الشعور المذل من "النص حالة"، وذلك الأب المغترب المتوسط الحال الباحث عن فرصة عمل توفر حياة أكرم لأطفاله وأسرته، العائد إلى وطنه ودفء أسرته لمدة شهر سنويًا، فيجد فيه أنه الغريب في بيته، ولِمَ لا؟ا، وهو الغريب أحد عشر شهرًا! فلا يجد له ملاذًا إلا الإحباط، ويُدرك أن دوره قد انحصر في ماكينة الصراف الآلي والقليل السطحي من الأبوة لا تكفي حتى لجعله يعيش "النص حالة".


الشكل الثالث: ذلك الشكل الذي لايرقى فيه أيا من الاحتياج أو القدرة على الوفاء بمتطلبات الحالة نفسها، وهذا الشكل يكون كارثيا بالنسبة للمجتمع و"مهلبيًا" بالنسبة لصاحب الحالة. فببساطة لقد قرر صاحب الحالة أن يتبع نموذج الجلباب السوداني الشهير الذي لا ظهر له، فكلا الجانبين وجه. هذا الجلباب هو مجرد "نص حالة"... وجه جلباب لم يكتمل.. لم يكن عند صاحبه القدرة على إكماله فقرر أن يجمع كل وجهين فتحولت "النص حالة" إلى حالة وأمر واقع. فنصف المثقف الجاهل ونصف الطبيب ونصف المقاول ونصف الحرفي ونصف حياتنا في المجتمع المصري هي مثال للنص حالة على نموذج الجلباب السوداني.


قطعاً الشكل الثاني هو الأصعب بالنسبة للشخص ذاته والذي يقضى أيامه ولياليه في محاولات متكررة لضبط معادلات أنصاف الحالات التي يمر بها، فيتذكر بحاله دائمًا الفنان سمير غانم وهو يقول: "جيت أظبط الجاكيته البنطلون ضرب".


خروج هذا الشخص من "النص حالة" لن يكون إلا بتغيير دراماتيكى إما في احتياجاته أو في قدرته. فإما أن يكون بصيرًا بكل ما حوله ومحبًا لنفسه، حتى لا يقع فريسة سهلة في فخ جلد الذات، ويستطيع أن يوافق بين احتياجاته والقدرة المتاحة له بترويض الاحتياجات أو تنمية القدرة أو نسف الشخص الآخر المتحكم في هذه القدرة والبقاء منتصرًا، وإما أنه سيحيا مرددًا كلمات تلك الأغنية العبقرية  "ناقص حتة" لوجيه عزيز.


كل ما أوزن ألاقي لسة ناقصلى حتة
أحط حتة.. تقل حتة
وأجيب قميص... تضيع جاكتة
وأعيشلى ساعة.. تفوتنى ستة.



للتواصل مع الكاتب عبر فيس بوك