غالبا قرأت خبر وفاة عالم الرياضيات الأمريكي جون ناش وزوجته إليشيا، بسبب حادث تصادم لسيارة أجرة كانا يستقلاها في ولاية نيوجيرسي، خاصة إذا كنت من المتابعين للسوشيال ميديا.

هل احتل الخبر مساحة ضخمة في المواقع العالمية والمصرية لأن العالم الجليل له عشرات الأبحاث المهمة، وحصل على جائزة نوبل عام 1994؟

الإجابة عمليا لا، مهما ادعى الناس العكس. أواخر يناير الماضي توفي العالم الفرنسي إيف شوفين الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء 2005 عن عمر 84 عاما، ولم يحظَ الخبر بـ 1% من تغطية وانتشار خبر وفاة جون ناش عالميا.

الخبر إذًا لم يحتل مساحة ضخمة من الاهتمام، بسبب إنجازات جون ناش كعالم رياضيات، أو بسبب حصوله على نوبل. الخبر احتل هذه المساحة الضخمة، لأن قصة حياته وكفاحه ومساندة زوجته، تم تناولها في فيلم A Beautiful Mind 2001 الذي تم ترشيحه لـ 8 أوسكار، فاز منها بـ 4 جوائز تتضمن أفضل (سيناريو مقتبس - فيلم - إخراج - ممثلة مساعدة).

ولعلك لاحظت أن العديد من المواقع، استخدمت صورة ثنائية لناش وراسل كرو لتغطية الخبر، لأن أقلية تعرف اسم ناش أو صورته، لكن كثيرين يعرفون وجة راسل كرو، وشاهدوا الفيلم الذي يعتبر من كلاسيكيات هوليوود بدايات الألفية، وله شعبية عالمية كفلت له وجوده حاليا في المركز 154  في قائمة موقع IMDB الشهيرة لأفضل الأفلام في التاريخ.

السينما الأمريكية ببساطتها وبطابعها المنستريم هي القادرة على أن تخلق لشخصية ما كل هذه الشهرة والاهتمام عالميا. الإيمان التام أننا نعرف جون ناش وزوجته جيدا، ونشعر ناحيتهما بالألفة. التواصل العاطفي الذي جعل ملايين من قارات مختلفة وبلغات وثقافات مختلفة، يشعرون بحزن حقيقي بعد سماع خبر الوفاة، لأن من مات بالنسبة لهم كان ناش وإليشيا كما تم تسجيلهم في ذاكرتنا للأبد (راسل كرو + جينيفر كونيللي) في قصتهما الرومانسية المؤثرة.

A Beautiful Mind Clip

ورغم أن العالم الراحل ترك عشرات النظريات والمعادلات والكتب، التي ستظل تُدرّس للمتخصصين، سيظل إرثه الأبدي واسع الانتشار من جيل لجيل، هو الفيلم.

تصيغ السينما - الشاشات عموما إذا أضفنا المسلسلات - وعي الشعوب والبشر في كل مكان، أكثر من أي كتاب، أو حصة تاريخ مدرسية. ومن المؤسف أننا لا زلنا نستهتر بهذه الحقيقة، ونتعامل معها كجمهور ودولة باعتبارها مجرد "ملاهي".

للتواصل مع الكاتب