التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 07:59 ص , بتوقيت القاهرة

السوبرمان والسوبر رقابة والسوبر غباء

الإحساس العظيم بالألفة داخل قاعات السينما، وبداية يوم لطيف مع الفيلم المختار الذي طال انتظاره Mad Max: Fury Road، وهو فيلم عظيم أنصح الكل بضرورة مشاهدته على الشاشة الكبيرة، خصوصا عشاق الأكشن. غير العظيم بالمرة، هو الفقرة الإعلانية التي تم عرضها قبله!  


اقرأ أيضا: ماكس المجنون يعيد هوليوود لصوابها في Mad Max: Fury Road


ضمن الإعلانات المعروضة إعلان فيلم Batman v Superman: Dawn of Justice المنتظر عرضه في مارس 2016، والذي يشهد اللقاء السينمائي الأول بين باتمان وسوبرمان. الإعلان شاهدته من قبل بمجرد ظهوره على الإنترنت، وكررت المشاهدة عدة مرات لكتابة تحليل سريع عنه وعن أفلام وارنر القادمة المقتبسة من القصص المصورة لـ دي سي كومكس


لا جديد إذا منتظر، ورغم هذا أتابع تفاصيل الشاشة باهتمام، باعتبارها المرة الأولى التي أشاهد فيها الإعلان بنسخة 3D وكالعادة تأبى الأقدار أن تتركك دون مفاجآت عجيبة في مصر، وهو ما يحدث عند الثانية 57 تحديدا.




طبقا لإعلان الفيلم فمن الواضح أن جزءا من محور القصة يتعلق بإعجاب وانبهار البشر بسوبرمان لدرجة تقترب من التقديس، باعتباره النموذج المثالي الخارق عظيم القدرات. يقابل هذا بعض البشر المتخوفين من قدراته، وهو ما يجعلهم يطالبون بطرده من كوكب الأرض، ويشوهون صدر التمثال الخاص بتكريمه، بكتابة جملة (إله مزيف False God). 


اقرأ أيضا: باتمان وسوبرمان وأول إعلان لاستثمارات بمليارات


تم التمويه على لقطة صدر التمثال في نسخة الإعلان المعروضة لإخفاء الجملة، واستبدل المُترجم الترجمة الأمينة الأصلية لـ False God، بجملة بديلة مكتوبة (بطل زائف).



أمامنا الآن 3 احتمالات أكثر مرارة من بعض:
1 - هيئة الرقابة على المصنفات الفنية في مصر، رأت أن العبارة خطيرة وضارة جدا جدا، بعقلية المتفرج المصري، وقررت ممارسة دور الوصي المعتاد وحذفها.
2 - موزع الفيلم العربي في الشرق الأوسط هو من قام بذلك، سواء بسبب قناعته الشخصية الدينية أنه لا يجوز ذلك في عمل فني (وهو تصرف مأساوي طبعا)، أو بسبب قناعته أن بعض الجمهور وارد أن ينزعج من المشهد، ومن الأفضل معاملة الجمهور الغبي بما يتناسب مع طباعه؛ حفاظا على شعبية الفيلم والشخصيات (وهو تصرف مأساوي أكثر).
3 - موزع الفيلم العالمي، هو من قام بذلك في نسخة الإعلان العربية، بسبب خبرات متراكمة بناء على السلوكيات الهستيرية وردود الفعل المعتادة للشرق الأوسط، فيما يخص الأديان والذات الألهية. بمعنى أبسط عمل بمبدأ (هذه منطقة الأغبياء والهمج فيما يخص المقدسات، ومن الأفضل أن نبتعد عن أي لمحة تلامس المقدسات، لضمان عرض وبيع وتسويق الفيلم وسطهم).



أي الاحتمالات الثلاثة أقرب للواقع؟!.. وأيها أسوأ من الباقي؟!
حقيقة لا أعرف. ما أعرفه جيدا أنه لا توجد إهانة أكبر من أن نعامل بعضنا كأغبياء، أو أن يصنفنا الآخرون، كمنطقة موبوءة بالغباء الديني، لدرجة تجعل جمهورها غير قادر على تذوق وقبول تشبيه من هذا النوع، حتى في فيلم كوميكس خيالي.


1 - إذا كان الرقيب المصري من فعل ذلك، فمن المؤلم جدا تخيل أن جزءا من الضرائب التي ندفعها، تتحول إلى مرتبات موظفين من العصور الوسطى، مصممين على معاملتنا كأغبياء، فاقدي العقل والتمييز، في حاجة إلى وصاية مستمرة.
2 - إذا كان الموزع العربي هو من فعل ذلك بسبب قناعاته الدينية، فمن المؤلم جدا تخيل موزع سينما بضيق أفق من هذا النوع. 
3 - إذا كان موزع الفيلم العالمي هو من فعل ذلك، فمن المؤلم جدا تخيل درجة التصنيف المتدني لعقلياتنا عالميا. هذه معاملة فاقدي الأهلية. معاملة نوعين من البشر والثقافات، تفصلهما قرون ولم يعد يربطهما معا سوى التشابه التشريحي الشكلي.



على كل يملك الرقيب دافعه النفسي والوظيفي، باعتبار الوصاية تشعره بتفوقه الفكري والثقافي، وباعتبار ممارستها بانتظام نقطة مهمة، ليحلل لنفسه المقابل المادي الشهري.


يملك الموزع أيضا دافعه النفسي والاقتصادي، باعتبار ابتعاد دعاية الفيلم عن أي نقاط مثيرة للجدل، خطوة احترازية لبيع تذاكر أكثر (الباب اللي يجيلك منه الريح).


ما لا أفهمه فعلا، هو الإنسان الذي يشجع الأفكار الرقابية وسلطات المنع، ولا يرى ما يُشين في الإنفاق على مؤسسة مهمتها بالأساس، تصنيفه كغبي غير راشد، تحدد ما يمكن له مشاهدته.  



خلال العام الماضي تم منع فيلمين بسبب تناولهما حياة رُسل (Noah - Exodus: Gods and Kings)، ومن اللطيف أن نذكر أن وزير الثقافة جابر عصفور، اعتبر منع الثاني عملا مجيدا، لأنه على حد قوله صهيوني بامتياز.


ويبدو أننا على مشارف مرحلة فريدة من التراجع الفكري، ستصبح فيها أفلام ومشاهد أبطال الكوميكس محل نقاش هي الأخرى، ولن ينقذنا منها سوبرمان وباتمان أنفسهم!


ملحوظة أخيرة: الإعلان مصنوع للعرض للمراهقين عالميا. في النصف الآخر المتقدم من الكوكب، يشاهد (الأطفال) هذا الإعلان بنسخته وجملته الأصلية. 


تحديث: وصلتني تعليقات من أصدقاء بعد نشر المقال، أن نفس النسخة المُعدلة من الاعلان معروضة حاليا في دول الخليج، وهو ما يجعلنا مبدئيا نحذف الاحتمال الأول.


للتواصل مع الكاتب