هكذا غنّت أم كلثوم لوردة الجزائرية
ولدت وردة في فرنسا عام 1939، لأب جزائري وأم لبنانية، ورغم أنها نشأت وترعرت في باريس، إلا أنها لم تنجذب إلى الأغاني الفرنسية، حيث رباها والدها على حب أم كلثوم وعبدالوهاب وأسمهان.
كان والد وردة يمتلك ملهى ليلي، يسهر به الأدباء والمثقفين وكبار الفنانين العرب في باريس، ويتردد عليه باستمرار يوسف وهبي، وفريد الأطرش، والملك فاروق، ومحمد عبدالوهاب، وكانت وردة منذ طفولتها تمتلك صوت شديد العذوبة، فكانوا يوقظونها من النوم ليلا، لتغني ليوسف وهبي وفريد الأطرش، وهي تقلد أم كلثوم وصباح.
البداية
وفي سن السادسة عشر، في أثناء عودتها من مدرستها الثانوية، شاهدت فيلم "الوسادة الخالية"، في سينما تعرض الأفلام المصرية باريس، فوقعت في غرام أغنية "تخونوه"، التي عرضت خلال الفيلم، بل ووقعت في غرام ملحن الأغنية، قبل أن تراه أو تعرف اسمه، وقررت بينها وبين نفسها أن تصل لملحن الأغنية، وأن تتعرف عليه وتتزوجه، ومنذ ذلك اليوم انقطعت علاقة وردة بالدراسة، قاصدة بليغ حمدي.
الاحتراف
وفي عام 1961، بعد أن اشتهرت بغناءها لأغاني كبار النجوم العرب في باريس، جاءت إليها العديد من العروض للغناء في مصر، فقدمها المنتج والمخرج حلمي رفلة، في أولى بطولاتها السينمائية "ألمظ وعبده الحامولي"، ليصبح نقطة انطلاقها وشهرتها في مصر، كما طلب جمال عبدالناصر أن يضاف لها مقطع في أوبريت "وطني الأكبر"، لتمثل الجزائر، كما قدمت أغنية "جميلة الجميلات"، للمناضلة جميلة أبوحريد.
بدأت وردة العمل على مشاريعها الفنية مع كبار الملحنين والمؤلفين في ذلك الوقت، حتى التقت بعشيقها الذي لما تراه من قبل "بليغ حمدي"، فكان اللقاء الأول في منزل محمد فوزي، وما إن رأها حتى وقع في حبها، وخلال أسابيع معدودة قرر بليغ الزواج منها، وقابل والدها لطلب الزواج، ولكنه رفض وعارض بشدة وطرده من منزله، لأسباب لم يعلن عنها.
أم كلثوم تغني لها.. "كوبري"
أجبرها والدها على الزواج من الضابط المغربي جمال قصر، وعادت وردة إلى موطنها في الجزائر، فانقطعت عن الغناء لمدة 10 سنوات، وتزوج بليغ أيضا، ولكن لم يستمر زواجه أكثر من أشهر قليلة، فلم يستطيع أن ينسى وردة، فكتب بليغ حينها مطلع أغنية ''بعيد عنك حياتي عذاب''، لأم كلثوم، وكانت رسالة غير مباشرة لوردة، كما كتب مقدمة أغنية "سيرة الحب"، و"أنساك"، وكلها ما هي إلا رسائل غير مباشرة من بليغ يعبر فيها عن حبه لوردة.
وعلمت أم كلثوم برسائله فقالت له مداعبة ''أنت عملتني كوبري يا ولد للبنت اللي بتحبها"، كما كتب أغنية ''العيون السود''، ورفض أن يعطيها لأحد على أمل أن يلتقي بها ثانية، لتغنيها بصوتها.
الزواج من بليغ
وفي عام 1972، جاءت دعوة الرئيس الجزائري، هواري بومدين، لوردة للمشاركة في عيد الاستقلال العاشر للجزائر، لتكون نقطة العودة من جديد إلى عالم الفن والغناء، وعادت إلى مصر مرة أخرى بعد طلاقها من جمال قصر، لتستكمل مسيرتها الغنائية، وكان بليغ هو مقصدها، فبعد وصولها مصر بأشهر قليلة عرض عليها بليغ الزواج فوافقت على الفور، وعقد القران في بيت الراقصة نجوى فؤاد، والتي كانت تعقد قرانها هي أيضا في نفس الوقت، وتم الزواج عام 1973.
توقع الفشل
توقع الكثير من أصدقائهم المقربين بفشل زواجهما، وأولهم عبدالحليم حافظ، بسبب تعدد علاقات بليغ النسائية، وتهوره في اتخاذ القررات العاطفية، وكانت أغنية ''ابتدى المشوار''، التي غناها عبدالحليم في زفافهم، إشارة منه لتحذير وردة من تلك الخطوة، حيث كان ينظر إليها ويضحك عند مقطع ''آه يا خوفي من آخر المشوار آه يا خوفي''.
وخلال فترة الزواج قدم بليغ لوردة، أشهر وأنجح أغانيها، والتي تعد سبب مجدها في مصر، حيث قدم لها 26 لحنا، كانوا علامات فارقة في مسيرتها الفنية، وشكلا ثنائيا يصعب تكراره.
ورغم حب بليغ الشديد لوردة، إلا أنه كان معروف عنه بتعدد نذواته وسهراته وكثير الغياب عنها لفترات طويلة، ويذكر أنه في إحدى حفلات وردة عام 1978، فجأها بظهوره على المسرح وقبلته أمام الجمهور، وقالت: "ماشوفتوش من شهر".
الطلاق
وفي عام 1979 لم يكتمل زواجهما أكثر من 6 سنوات، وانفصلا كما توقع الأصدقاء المقربين، ليبدأ كل منهما في مواصلة حياته بعيدا عن الآخر، ولكن لم ينقطع تعاونهم الفني بعد الانفصال، فتعاونت معه في العديد من الأغاني إلى جانب تعاونها مع ملحنين آخرين مثل محمد عبدالوهاب، وحلمي بكر.
وفي فترة انفصالهم، عاد بليغ من جديد يوجه رسائله الغير مباشرة لوردة، من خلال أغاني كتبها ولحنها لميادة الحناوي، مثل ''أنا بعشقك''، و''الحب اللي كان''، و''فاتت سنة''، و''مش عوايدك''.
الوقوف في المحنة
وفي عام 1984، اتهم بليغ بقتل المطربة المغربية سميرة مليان، بعد انتحارها من شرفة منزله، فظل هاربا بين باريس وأثينا، لمدة 4 سنوات، بعد أن حكم عليه بالسجن غيابيا، وحينها ذهبت وردة إلى وزير الداخلية زكي بدر، وهددت بالاعتصام إذا حبس بيلغ يوما واحدا.
ويقال إن حالة بليغ الصحية والنفسية تدهورت وتعرض لاكتئاب شديد بسبب هذه الأزمة، فكتب أغنية "بودعك وبودع الدنيا معاك"، وفي اتصالاته الهاتفية الأخيرة لوردة طلب منها أن تغنيها، فكانت تلك الأغنية الأخيرة بين وردة وبليغ.
الوفاة
توفي بليغ عام 1993، فأصيبت وردة بحالة اكتئاب شديدة بعد فراقه، ومنذ رحيله ظلت وردة في لقائتها الفنية تتحدث عن بليغ، وعن فضله في وصولها للنجاح والنجومية، حتى توفيت وردة يوم 17 مايو عام 2013، لينسدل الستار على واحدة من أجمل قصص الحب بين ثنائي من أكبر رموز الفن في مصر والعالم العربي.