الحُب
الحب شعور متجاوز لكل ما على الأرض، وهو سعي أبدي للاتصال بالمُطلق والمتجاوز، وهو الرحلة المقدسة التي يسعى إليها كل البشر. والحُبُّ كائن حيّ لا يختلف كثيرًا عن الكائنات الحيّة التي نعيش معها، وله دورة حياة تبدأ بالميلاد ثم الطفولة ثم النضج ثم الشيخوخة وأخيرًا الموت. نعم إن الحب يموت لأنه يولد، فمن كان له أول له آخر، وهذه حقيقة قد يتجاهلها الكثيرون ممن يشهدون ميلاد الحب يوميا ويتفاجؤون حين يموت.
مرحلة ميلاد الحب
أجمل ما في الحب هو لحظة ميلاده، وعلى عكس الكائنات الأخرى فإن مخاض الحب ولحظة ظهوره للحياة هي أجمل مرحلة من مراحله، مرحلة ينعدم فيها الألم مع تدفق الحياة.
قد يولد الحب في لحظة وقد تطول عملية ميلاده، ولأنها أجمل المراحل على الإطلاق أستطيع أن أقول إن من يتسرعون يفقدون كثيرًا، والأذكياء وحدهم هم من يطيلون لحظات الميلاد، فهي التي تبقى في الذاكرة وفي الوجدان للأبد وماعداها قد يُنسى بسهولة.
احرصوا على إطالة فترة ما قبل البوح، على التمتع بهروب العيون من اللقاء، على الارتباك الأول، على لهفة اللقاء، على تأرجح المشاعر بين الخوف والرجاء، على التساؤل الدائم بلا إجابات.
وأخيرًا احذروا الميلاد المشوه، فقد يولد الحب مشوهًا، فإذا اكتشفتم أنه مشوه فأجهضوه فورًا؛ حتى لا تتألموا بتحمل حبٍ معاق يصعُب التعامل معه ويُصبح موته أهم من حياته.
وما إن يبوح الحبيبان فقد اكتمل الميلاد، الميلاد بهجة، سجلوا هذه اللحظات في عقولكم للأبد، فهي وقود حياتكم ونضجكم، هي خجل وقلق، هي تدفق الحياة في شرايين الوجود.
مرحلة طفولة الحب
هي كل جمال الطبيعة وعبير الزهور، هي كل قصائد نزار وأغاني كاظم، هي كل جمال الألوان وبهجة الألحان، هي دفء الشمس ونسمة الهواء، ستصير الحياة متعة والنوم خسارة إلا لو اصطحبنا الحبيب معنا إلى أحلامنا وهذه مرحلة عَمى الحب، فالحبيب يرى كل ماهو جميل في حبيبه، ولا يرى من عيوبه شيئًا، وهي مرحلة الشعور بالآخر وليست مرحلة الشعور بالنفس. لكن على الرغم من جمال طفولة الحب، إلا أنها أقصر مرحلة من مراحله فالحب ينضج سريعا وتبدأ المواجهة.
مرحلة نضج الحب
ثم ينضج الحب وهنا مرحلة المواجهة، يرى كلٌ من الحبيبين الآخر على حقيقته وبلا رتوش، فتبدأ مرحلة الشعور بالنفس، العقلاء فقط من يتخذون قراراتهم في هذه المرحلة.
إذا كان الحب مولودًا صحيحًا ومر بطفولة صحيحة سينضج، أمّا إذا لم يكن فستكون هذه من أصعب المراحل، سيبدأ كل منهما يرى عيوب الآخر وسيشعر بما يريد وبما لا يريد، ستكون له متطلبات وحقوق وواجبات ومسؤوليات وستبدأ المواجهة بين ما نريد وما يريده الآخر.
فإذا كنت في علاقة حب تشعر بأنك مغلوب فيها منتقص، فواجه وإلا فالانسحاب؛ حتى لا تتألم ثم تنفجر وقت أن يكون قد فات الأوان.
شيخوخة الحب
ثم تسري سُنة الحياة التي تسري على كل الكائنات الحية، سيشيخ الحب ويعاني من تصلب الشرايين والزهايمر والشلل الرعاش، وتبدأ المعاناة بين إرادة الموت وإرادة الحياة، وتصبح الحياة معلقة بطرف رفيع من الأمل عسى أن يعود الشباب يوما ما، وتتداعي الذكريات لتغذي هذا الأمل وتمنحه بعض المُسكنات وبعض المهدئات.
مرحلة موت الحب
تعددت الأسباب والموت واحد، قد يموت الحب من فرط الشيخوخة، وقد يموت بسبب الإهمال، وقد يموت بطعنة غدر رخيصة، وقد يموت بالتسمم البطيء أو بأسفكسيا الخنق. قد يموت بصورة مفاجئة وقد يعاني من سكرات الموت طويلا ويتعذب حتى يتمنى الحبيبان أن يموت ليرتاح.
وقد يمر بمرحلة إنعاش أو صدمات كهربائية للقلب في محاولة يائسة لإحيائه إلا أن قدر الله نافذ، وبعد أن يقضي نحبه تكون أطول وأصعب مرحلة من المراحل وهي مرحلة الحداد.
مرحلة الحداد
مرحلة الدموع والآلام، مرحلة الانكسار، مرحلة الكرامة الجريحة، مرحلة الندم، مرحلة التساؤل المتألم، مرحلة الذهول، مرحلة الأمل اليائس واليأس المتألم، مرحلة التأرجح الشديد في المشاعر، مرحلة الإنكار النفسي.. هي مرحلة انسحاب الحب من الدم !!!
الضعفاء فقط من يسقطون في بئر الحداد للأبد وأما الأقوياء فهم من يتخطون الحداد بسرعة ونضج وواقعية وينتظرون ميلادا جديدا صحيا وسليما وخاليًا من التشوهات والعيوب.
إذا مات حبك.. اذهب لمكان اللقاء الأول الذي ولد فيه الحب واجلس وقم بطقوس الدفن بأن تكتب مقالا تتفلسف فيه عن ... "الحب".
دمتم بكل ود