التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:18 م , بتوقيت القاهرة

فصل القول عن القائل

كلامك تصرفاتك وردود أفعالك علامات نستشف منها درجة وعيك. الذكي مع الغبي قد ينسجمان فيتصادقان أو يرتبطان، العصبي مع البارد، المتهور مع الجبان، كل الصفات المتناقضة قد تجتمع وتنسجم وأحيانا يُنصح باجتماعها ليحصل توازن في الحياة، زوج متهور وزوجته حذرة، إلا التباين الكبير في مستويات الوعي بين طرفي العلاقة.


الاختلاف الكبير في الوعي ينتج عنه اختلاف في النظرة للحياة وفي ترتيب الأولويات؛ فيتسبب في تصادمات مستمرة في كل جوانب الحياة فتصبح العلاقة مُرهقة ومُحبطة.


مراقبة الناس باستمرار في محاولة لتقييم مستوى وعيهم وبالتالي تصنيفهم وإطلاق أحكام عادة سيئة تُرهق الدماغ وتُنتج ضوضاء داخلية عالية، ولكننا نحتاجها أحيانا بالذات عند اتخاذ القرارات.. هل أصادق هذا الشخص؟ هل أرتبط بهذا الإنسان؟ هل أضيع ساعات من عمري أقرأ هذا الكتاب؟ قرارات مهمة مجموعها يشكل لنا حياتنا، تراقب تصرفات الشخص، تسمع كلامه، لتقيم وعيه وتقرر بناء على ذلك. رجل يُنظّر ليل نهار عن حرية المرأة وحقوقها وفي نفس الوقت يقمع أخته ويحرمها من أن تقرر حياتها بنفسها بحجة ضغط المجتمع! هل نفصل فلسفته في حرية المرأة وحقوقها عن تصرفاته؟


ركز على المحتوى واحكم عليه بحيادية بغض النظر عن القائل كما تنصح الحكمة الشهيرة لإليانور روزفلت "العقول العظيمة تناقش الأفكار، المتوسطة تناقش الأحداث، وأما الصغيرة فتناقش الأشخاص". حقيقةً لا أوافق على هذه الحكمة، لماذا أضيع وقتي وطاقتي في مناقشة فكرة أعرف أن قائلها متخلف!؟


يبدأ الإنسان حياته بوعي ورثه من المكان الذي تربى فيه. لذلك بالنسبة لي مثلا الكاتب الأوروبي مُقدم على الكاتب الأمريكي وكذلك الفيلم أو البرنامج الأوروبي مقدم على الأمريكي لأن الأوروبيين بشكل عام وعيهم أعلى من الأمريكان. الكاتب المتخلف لن ينجح في أوروبا، سيرفضه الجمهور لأن الوعي العام عالٍ. ولكن طبعًا الحكم لا ينطبق على الجميع فحتى في أكثر المناطق تخلفًا يستيقظ بعض الأذكياء ويكتسبون وعيًا عاليًا جدًا بسبب ضغط التخلف المحيط بهم وقوة المعاناة.


نبدأ حياتنا بوعي مساوٍ للوعي العام وبعدها كل منّا يشق طريقه منفردا على سلم الوعي، البعض يصعد بسرعة والبعض الآخر لا يتعدى مستوى الوعي العام.


قبل سنوات شاهدت لقاءً يجمع بين الدكتور صلاح الراشد  والدكتورة والكاتبة ومقدمة البرامج الكويتية فوزية الدريع. تحدثت فيه عن ابنها الكبير فقالت: "تخيل بعد أن تخرج من الثانوي كان يريد أن يدرس طبخ ويصير طباخا، لأنه يعشق الطبخ، بس أنا ما خليته حاولت فيه الين ماخليته يدخل طب! وكاهو الحين ماشي في دراسته سنة ثالثة طب وش زينه ووش حلاته!"


شاب حلم بأن يقضي حياته في المطبخ يعمل ما يحب ويبدع فيه فيحقق ذاته، ولكن أمه أقنعته وربما ضغطت عليه ليتنازل عن حُلمه ويدخل طب!


أدهشني تصرفها المُتخلف، وأصاب الدكتور صلاح الراشد بذهول جعله يحتار كيف يرد فصمت لثوانٍ. هذا التصرف قد يكون علامة نستشف منها مستوى الوعي. في البداية احترت، من جهة أعرف أنها دكتورة دارسة في أمريكا وقارئة نهِمة وتسافر كثيرًا لتخوض تجارب في كل بقاع الأرض؛ حتى أنها حكت لنا عن رحلتها للهند لتعيش تجربة مع جماعة روحية لتهذيب الذات ومن جهة أخرى تصرفها مع ابنها في قمة التخلف. احترت وقلت لنفسي ربما تصرفها جيد وأنا اللي ما أفهم، كنت طيبة وقتها. بعدها بفترة طويلة في برنامجها التلفزيوني المختص في الاستشارات الجنسية قالت:


"لماذا نحن كما نحن... أخذني الفضول لأن أتساءل عن حقيقة قناعاتي وبالذات قناعاتي في عقيدتي.. سألت نفسي يا ترى أن الإسلام قناعتي ولا ميراثي؟ ودرست ومارست طقوسا كثيرة في ديانات سماوية ووضعية.. كنت مثل الكرة كل ما طقيت نفسي في جهة بعيد عدت بقوة إلى حضن الإسلام.. حتى وصلت إلى قناعة بأن الإسلام هو عقيدتي، كان ميراثا كان فطرة كان قناعة هو عقيدتي.. عشقت الله جل جلاله... وأحببت النبي محمد.. وكان لا بد لهذا المثلث أن يكتمل فعشقت آل البيت وصحابة رسول الله.. وعلى رأسهم عليّ سيد الإيمان.. عليّ سيد الزهد.. عليّ سيد البلاغة.. عليّ سيد كل ماهو عليّ... عليّ رجل قد نختلف على أمور كثيرة ولكنا نتفق جميعا على حبه".


لحد هنا ماشي الكلام ولكن الطامة تأتي...
"قرأت، أنا أدعي أني أعرف أقرأ، أقرأ في العلم المتعدد، الفلك فيه عليّ، والرياضيات فيها عليّ، والطب فيه عليّ، وعلوم النفس فيها عليّ، وعلوم السياسة فيها عليّ، في كل شيء عليّ. أنا أحب عليّ، لأني مختصة نفسية، وهنا جاءت ورطة الحقيقة في عشق عليّ. كل النظريات من تشخيص وتحليل وعلاج التي درستها من الغرب أجد عليّ من أكثر من ألف وأربعمائة سنة يعرفها. حتى العلوم الجديدة، علم الطاقة عند عليّ. the power of now عند عليّ. قانون الجذب عند عليّ law of attraction كل شي في علم النفس عند عليّ. كيف عرف هذه المعجزة كل ذلك هل اقتدى به الغرب أم أن الفطرة السليمة هدتهم أن يكونوا مثله أنا لا أعرف. 


كمتخصصة دقيقة في علم الجنس أنا مضطرة لعشق عليّ. أمور كثيرة في أحكام الجنس معجزة غير قابلة للتفسير، عند عليّ. سأذكر قصة واحدة منها. أنا لما رحت أدرس الجنس في سنة 1979 في أمريكا كان ضمن أبحاثي البحث في الإسلام والجنس روايات من روايات عليّ في الجنس تحدث العليّ عن وجود غدة في دُبر الرجل هي التي يقول فيها إن هاجت هاج وإن هدأت هدأ ووصفها بجزء في جسم الجمع. فقط من 15 سنة الغرب وجد هذه الغدة! كيف علم بها عليّ لا أعرف.


أنا قرأت أن عليّ أقام الحد في رجل متمادٍ في لواطه والرجل مات فأمر بعد موته أن يوضع خشب في بطنه ويحرق. في 79 قلت معقولة وش هالقسوة طيب أقمتم عليه الحد ليش الحرق ياعليّ! عليّ سوى السالفة من أكثر من  ألف وأربعمية سنة، من عشر سنين أنا جالسة مع أطباء وباحثين في علم الجنس في بريطانيا نتحدث عن مرضى الإيدز اللي يموتون ويقول نحن نحاول نقنع مرضى الإيدز وأقربائهم أن نحرق جثته لما يموت، والسبب أن فيروس الإيدز لا يموت إلا بالحرق. ولربما الدود اللي يطلع بعد تحلل الجثة لو دودة راحت في شجرة أو نبات صحيح، هو تنظير ولكن التنظير موجود أنه قد وليس من حل إلا حرقة، كيف عرفت ياعليّ."
 
لا أحتاج إلى أن أعلق بعد هذا النص المفتخر...