في مهرجان طرابلس.. كيف تُحول فكرة جيدة لفيلم متوسط؟
للعام الثاني على التوالي تستضيف مدينة طرابلس اللبنانية مهرجانها السينمائي، الحدث الذي تحول من مجرد فكرة في ذهن مخرج ومصور من أبناء المدينة هو إلياس خلاط، إلى واقع تستضيفه المدينة ذات التاريخ الضخم والحاضر المضطرب، والتي لا يعرف الكثيرون عنها ـ حتى بين الأصدقاء اللبنانيين ـ سوى أنها مسرح دائم للاضطرابات السياسية والتطرف الديني.
هذا التصور النمطي جعل الدورة الأولى تخرج على الحد الأدنى من كل شيء، الأفلام والضيوف والتغطية الإعلامية. الأمر الذي بدأ يتحسن بوضوح في الدورة الثانية، التي زاد فيها عدد الأفلام المعروضة وتنوعت جنسياتها، كما حضر عدد من المخرجين اللبنانيين والأجانب إلى طرابلس لتقديم أفلامهم ومناقشتها مع جمهور المدينة.
ومن بين 41 فيلما اختارها المهرجان للعرض في برامجه المختلفة، داخل المسابقة وخارجها، ظهر تنوع كبير في نوعيات الأفلام ومدد عرضها، وبالطبع في مستواها الفني. وإن كانت الملاحظة الرئيسية هي أن البرنامج بشكل عام ينتصر لمجموعة من أفلام الهامش، الأفلام التي تمتلك طموحًا واضحًا على صعيد الفكرة، بغض النظر عن كيفية تحويل هذه الفكرة إلى منتج نهائي. أي بعبارة أوضح هناك الكثير من الأفلام التي تُجبرك أثناء مشاهدتها أن تضع يدك على بعض مناطق القوة، لكن في نفس الوقت تدرك أنه قد كان بالإمكان أفضل كثيرا مما كان.
في هذا المقال نتطرق لواحد من أفلام مهرجان طرابلس الثاني للأفلام، هو الفيلم الإيراني "السجادة الحمراء" أو "Red Carpet"، روائي طويل للمخرج رضا أتاران. الفيلم ينطلق من فكرة جاذبة وطريفة للغاية، ممثل مسرحي إيراني مجهول يقرر السفر إلى مهرجان كان السينمائي الدولي، لعرض فكرة فيلم قام بكتابتها على مخرجيه المفضلين ستيفن سبيلبيرج ووودي آلان. الفيلم تصويره في المواقع الحقيقية بمهرجان كان، وبطريقة التقاط المشاهد خلسة بينما يتحرك البطل بين جمهور المهرجان كأي مهووس آخر من مهاويس السينما الذين نشاهدهم في المهرجانات الكبرى.
لديك هنا عناصر كافية لصناعة فيلم جيد ومؤثر: فكرة ذكية، حكاية تتماس مع رغبة كل العاملين في السينما تقريبا، حدث عالمي من لا يقصده بشكل مستمر يحلم بالذهاب إليه، وطريقة تصوير طريفة يفترض أن تخلق تلقائيا الكثير من الكوميديا. لكن الأزمة هي أن المحصلة النهائية للعمل أقل بكثير مما تعد به عناصره، وذلك لسببين أولهما التسليم بما قلناه مسبقا بأن الفكرة ستخلق "تلقائيا" كوميديا كافية، والحقيقة أنها لم تفعل ذلك، بسبب ركود دراما الفيلم وارتكانها على محاولات الممثل اليومية لدخول أروقة المهرجان والحديث مع النجوم، وهو أمر قد يضحك لأول مرة، لكن عندما يتكرر عدة مرات دون تطوير للدراما والمشاعر يتحول لحمل على إيقاع الفيلم، الذي لا يعود للحركة إلا عندما يتعرض البطل للسرقة من قبل شخص اعتقد أنه سيساعده، فكان عليه أن يهرب من الفندق الذي لم يسدد حسابه بعد، وكذلك في اللحظة الأهم التي يتمكن فيها من الحديث لثوان مع النجمة تيلدا سوينتون والمخرج جيم جارموش، ولعلها اللحظة التي كان صناع الفيلم يرغبون في الحصول على الكثير منها قبل أن يبدأ المهرجان.
الفيلم افتقد إذن للديناميكية، وبالرغم من أن البطل يتحرك باستمرار من مكان لآخر، والكاميرا تتابعه وتحاول وضعه في علاقة مع محيط المهرجان، إلا أن غياب التجهيز المسبق لنقلات الدراما حال دون الاستفادة من هذه الحركة الدائبة في خلق ديناميكية إيقاعية.
السبب الثاني لافتقاد الفيلم للتأثير النهائي الذي يفترض أن تحدثه تجربة قاسية كالتي تعرض لها بطل الفيلم في نفوس المشاهدين، هو تتابعات النهاية المتناقضة تماما سواء مع أسلوب الفيلم أو حتى مع خطابه الفكري. صحيح أن موهبة البطل أقل من مستوى طموحه، لكنه بشكل ما شخص جرئ ومغامر، رفض أن يعيش حياته ممثلا مغمورا يسعد بالحصول على دور متكلم في مسلسل تاريخي، وسعى لمطاردة حلمه بالعمل في السينما الأمريكية التي يحبها ويتأثر بها.
المخرج هنا اختار أن تكون ذائقة البطل السينمائية بالفعل جيدة، فمرجعياته التي يربط كل ما يحدث له بها هي أفلام ممتازة مثل "كازينو" و"الثور الهائج" و"إي تي" وغيرها. أي أنه ليس واهما على الأقل فيما يحب من أفلام. من هنا تأتي مشكلة تتابعات النهاية التي يقوم فيها البطل بعد أن فشل في تحقيق حلمه وتعرض للسرقة والضرب والإذلال، بالنوم في الشارع بعمق متغطيا بعلم إيران الذي وجده مرفوعا ضمن الدول المشاركة بالمهرجان.
لاحظ مدى كارثية النهاية، بداية من كونه مشهدا رمزيا فجا على طريقة أفلام الخمسينيات يأتي في نهاية فيلم يقوم بالأساس على قالب سرد حداثي، مرورا بكونه فشل صريح للبطل الذي سيعود لإيران على طريقة "بلدي وإن جارت علي عزيزة"، فشل لم يقترن بأي نضج حقيقي في وعيه وفهمه للعالم، وصولا إلى أنها نهاية تقول بوضوح أن العمل بكرامة ككومبارس متكلم في مسلسل تلفزيوني إيراني هي أفضل من المغامرة وتحمل المصاعب من أجل حلم أكبر بالعمل في أفلام سكورسيزي، وهو بالتأكيد استنتاج خاطئ ورجعي يهدم أساس مغامرة الفيلم وبطله.
"السجادة الحمراء" كان يملك كل الأسباب اللازمة لصناعة عمل جيد، لكن مخرجه تورط في كيفية تحريك الدراما فيه وأخطأ بشدة في اختيار نهايته، فجاءت النتيجة فيلما متوسط المستوى على الأكثر من فكرة كانت تصلح لصنعة عمل متميز.