التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:23 م , بتوقيت القاهرة

محمد الفاتح.. أسطورة ناقصة

هو سابع سلاطين الدولة العثمانية، ويستدعى ذكر اسمه في التاريخ الإسلامي ثناء وتقديرا كبيرين، بفضل شخصيته الفريدة التي جمعت بين القوة والعدل، ولأنه في فترة حكمه التي قاربت 30 عاما، استطاع توسيع الإمبراطورية العثمانية والقضاء على منافستها البيزنطية، التي استمرت أكثر من 10 قرون، وجعل عاصمتها عاصمة جديدة للدولة العثمانية، وتوغل بعيدا في أوروبا حتى وصل إلى بلجراد.


عام 1451، تولّى السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان مراد الثاني، سادس سلاطين الدولة العثمانية، وكان في الـ22 من العمر. أراد استكمال ما بدأه اسلافه من الفتوحات وتعزيز قوة الدولة العثمانية، فقام بإصلاحات داخلية عدة لتطوير إدارة الأقاليم، وعزل الولاة المقصرين، وتحديد موارد الدولة وتنظيم آليات صرف الموارد المالية، كما ركز على تطوير الجيش، فأعاد تنظيم كتائبه وزاد من مرتبات الجنود، وأمدهم بأحدث أسلحة ذلك الزمان.



إصلاحات وإنجازات


كان الفاتح محبّا للعلم والعلماء، ويجيد التحدث بلغات عدة، كاليونانية واللاتينية والفارسية والعربية. اهتم بالتعليم وجعله مجانيا للجميع، وأنشأ الكثير  من المدارس والمعاهد، وأدخل إصلاحات على نظام التعليم والمناهج التي يدرسها الطلاب والامتحانات، حتى أنه كان يزور المدارس أحيانا، واهتم كذلك بالأدب والشعراء والترجمة.


كان حريصا على نشر العدالة في دولته، فاعتنى برجال القضاء ومتطلباتهم حتى يسدّ طريق الرشوة، وفي عهده أنشئت المستشفيات والحدائق والأسواق، كما أولى التنظيمات الإدارية والجيش والبحرية اهتماما كبيرا، لتصبح قوته العسكرية مشهودا لها في القوة والكفاءة.



فتح القسطنطينية


منذ حديث رسول الإسلام (ص) لأصحابه الذي قال فيه: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش". والقسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، تداعب خيال الكثير من قادة الإسلام ولكن أحدا لم يتمكّن من دخول المدينة التي كانت تعدّ من أقدم مدن العالم وأكثرها تحصينا. التاريخ يخبرنا أن دوام الحال من المحال، فقد تصدّعت الإمبراطورية البيزنطية ودبّ الوهن في أوصالها بعد تخلّي حلفائها الكاثوليك في الجنوب والغرب الأوربي عن مساعدتها. إلى أن جاء العام 1453 ودخلها محمد الثاني في يوم 29 مايو عام 1453 بعد حصار استمر 53 يوما بجيش قوامه 250 ألف مقاتل و14 عشر مركبا بحريا.


وتشير المصادر التاريخية إلى وصوله إلى وسط المدينة ومن حوله الجنود مرددين "ما شاء الله"، فالتفت إليهم قائلا: "لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية الذين أخبر عنهم رسول الله"، وأمرهم بالرفق بأهل المدينة وسجد شكرا لله، ثم قام بالتوجه على كنيسة آيا صوفيا، وكان قد احتشد فيها عدد كبير من الناس ورجال الدين المسيحيين يتلون صلواتهم، مترقبين مصيرهم على يد هذا الغازي المسلم، فطلب السلطان من أحد الرهبان التحدث إلى الناس وتهدئتهم، وأعطاهم أمانا بالعودة إلى بيوتهم. لاحقا يأمر الفاتح بتحويل الكنيسة الجميلة إلى مسجد وتحويل المدينة إلى عاصمة كبرى للدولة العثمانية.



الطموح المفضي إلى النهاية


كان السلطان يبلغ من العمر حوالي 25 سنة حين فتح القسطنطينية، وهو الأمر الذي يبرر طموحه الدائم في بسط سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من العالم، فاتجه شرقا إلى بلاد البقان وفتح صربيا رومانيا والبوسنة وألبانيا ووصل إلى بلجراد، وكان يطمح للوصول لشرق آسيا كذلك. لكن الحلم الأكبر كان هو دخول روما، والجمع بين مدينتي أوربا الأكبر تحت يديه.


في ربيع عام 1481، خرج السلطان على رأس جيش كبير في حملة لإيطاليا، وكان قد أصيب قبلها بوعكة صحية، ولكنه لم يتراجع عن قراره بالزحف. تدهورت صحته إلى أن مات وسط جيشه يوم الخميس الموافق 3 مايو 1481، وهو في الثانية والخمسين من العمر.


ويقال إن السبب الحقيقي وراء موت الفاتح هو تسميمه البطيء عن طريق طبيبه الخاص يعقوب، الذي ادعي الإسلام، ولكنه استمر في دسّ السم للسلطان بتحريض من أهالي روما، حين علموا بنيته غزو مدينتهم.


سعد الغرب كثيرا بموته، برقيات كثيرة تمّ تداولها بين المدن الأوروبية تعلن "لقد مات العقاب الكبير"، وظلّت أجراس الكنائس تدق طيلة 3 أيام بأمر بابا روما.