التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 01:23 م , بتوقيت القاهرة

السعادة في التعاسَة!

عندي حساسية مُزمنة من الأشخاص النكديين.. الناس اللي بتستَعذِب التعاسة وبتعتبرها رومانسية ومحاسيس.. طبعًا هما حُرين تمامًا في نظرتهم للدنيا وتعاملهم معاها.. لكن مشكلتي معاهم أن النَكَد فيروس "مُعدي" عن طريق النَفَس.. يعني مجرد تواجدهم في محيطك بيخليك هدف سهل لاستقبال الفيروس.. ولما بتِسمح لهم بالقُرب منك لا مُمكِن يهنأ لهم بال غير لما يجيبوا موودك الأرض..  عشان دايمًا دايمًا مُتمسكين بالنكد وكأنه عيِّل من عيالهُم.. وأي محاولة منك لرفع روحهم المعنوية بيقابلوها بمزيد من الأفوَرة فى النكد.. ف تحس معاهم إن الدنيا كَبَسِت على مراوحَك فجأة وروحَك قرَّبت تطلع في إيدهم.


من سمات الشخصيات النكدية عِشق الأخبار المهببة والأحداث التعيسة.. حتى لو كانت حصلت من 100 سنة.. بيفضلوا يجتَرّوها كل يوم من غير ذَرِّة نسيان لأي تفصيلة بائسة من تفاصيلها.


من سمات الشخصيات النكدية كمان إنهم لا يمكن يتفاعلوا معاك غير في النكد.. يعني تيجي تحكي لهم حدث سعيد يقابلوك بالوِّش الخشب ومصمصة الشفايف.. وكأن لو فرحوا معاك ثانية حاتبقى خيانة عظمى لقضية التعاسة المُقَدَسة؟!!.. لكن يا سلام بقى لو جيت تحكي لهم حدَث كئيب.. تلاقي عينيهم نوَّرت فجأة وحكايات النَكد المماثلة بتمَطَّر عليك من اليمين والشمال.


كنت مع مجموعة من الأصدقاء فى زيارة لصديقة وكان عندها واحدة ماعرفهاش.. الكل قاعد يتكلم وهي ساكتة خالص وواخدة جَنب ومكشَرة تكشيرة "زكي رستم" في فيلم "أنا وبناتي".. لما سألت صديقتي عن سبب الصمت والبوز قالت لي: "أزمة عاطفية"، وطلبتْ مني أساعدها فى تحسين موودها.. وبما إن قعدة البيت مش هي اللي بتحسن الموود قلت أقترِح نخرج لمكان مُبهِج حيث الموسيقى والشمس والهوا.. بمجرد ما نطقت الاقتراح انتَفَضِت السِت المتضايقة:


-إيه ده حنسوق تاني في الزحمة والقرف؟
- (يا نهار فَزَع)... مش لازم كُلنا نسوق ممكن نروح فى عربية واحدة.
- (بعصبية)... مش موضوع سواقة بس.. أنا الزحمة عموما بتضايقني.
- خلاص بلاش.. ممكن نمشي لغاية ****
- في الحر ده؟!!
- هو إحنا حانُعبُر الصحرا؟.. ده بعدِنا بتلات عمارات!
- لأ المكان نفسُه حَر.
- خلاص نقعد جوة فى التكييف.
- التكييف بيعييني
- بلاش تكييف.. نقعد برَّة.
- الحر بيضايقني.
- خلاص نقعد نُص جوة ونُص برة.
- (نظرات امتعاض)...
- طب إيه؟
- عايزين تخرجوا إنتو اخرجوا.. أنا مش حروح في حتة في القرف ده!
- بلاش خروج.. تيجوا نتفرج على فيلم لإسماعيل يس؟
- (بقرف شديد).. أبيض وأسوِد؟!!
- لأ وأبيض ليه؟ نخليه أسود بس عشان نتبسِط!!
- اتفرجوا أنتو.. أنا مش عايزة أشوف أفلام
- طب تيجوا نلعب "سكرابيل"؟
- "سكرابيل" إيه؟ دي لعبة مُملة جداً.
- طب نلعب إيه؟
- العبوا اللي عايزينه.. أنا مش عايزة ألعَب.
- بلاش لعب.. ياللا نسمع موسيقى؟
- هو إحنا ناقصين دوشة الواحد في صداع طول النهار.
- تيجوا نشرب سِم فيران؟!!
- نعم؟؟؟
- قصدي نعمل قهوة يعني..
- اعملوا اللي عايزينه.. أنا القهوة بتعَلي ضغطي.
- بلاش قهوة.. دي حتى مُرَّة والقَعدة مش ناقصة مَرار!!
- ماهو المَرار ورانا ورانا حانروح منه فين يعني؟
- هو الهوا بيتشِفِط من المكان ولا أنا بس اللي دايخة؟
- من الأوضة بس؟ ده بيتشفط من الدنيا كلها.
- أتاريها ضَلِّمِت فجأة.
- (تظهر على وجهها أول ابتسامة).. خلى بالك ممكن يكون عندك مشكلة في الدورة الدموية.
- أنا بهزَّر.. معنديش مشكلة ولا حاجة الحمد لله.
- (الابتسامة توسع من الودن للوِدن).. لأ لأ الدوخة دى أعراض أزمة قلبية.
- يا ستي أنا كويسة والله.
- مش بتحسي كأنك بتقعي في حُفرة؟
- (أنظر لصديقتي اللي طلبت مساعدتي بنظرات كلها غيظ وتوّعُد).. أيوة وبَدعي من قلبي على اللى زقِّني فيها.
- (بحماس شديد)... يبقى لازم تشوفى دكتور دي أكيد أعراض ذَبحَة 
- طب أنا مضطرة استأذن بقى عشان الحُفرة عمَّالة توسَع!!
- (بمنتهى السعادة).. تحبي أقول لك على اسم دكتور شاطر؟
- تحبي أطُب ساكتة قدامِك عشان سعادتِك تِكمَل؟؟!!!