التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:09 م , بتوقيت القاهرة

حصريات المواطن فوكس

ومن يستطيع أن ينسي "عادل فوكس" الشاب المصوراتي الفكيك في حلقات "تامر وشوقية"، شخصية قدمها الممثل  الكوميدي "وائل علاء" في دور الفهلوي الفتّاي لتصبح من الشخصيات الملفتة في المسلسل، في الواقع نحن نعيش حاليا في وسط مجتمع بالكامل قائم علي ثقافة عادل فوكس، في كل المجالات والاتجاهات والمواقف.



انتشرت ظاهرة التصوير مع بداية أيام ثورة يناير 2010 انتشار الحمي، كوسيلة للتوثيق أحيانا، ولتوجيه الرأي العام أحيان أخرى، في وسط خلاف مجتمعي بين مصداقية الحديث أم ووضوح الصورة، وبالتأكيد تحولت الصورة في العموم إلي حالة أصابت الجميع بالتزامن مع التطور الهائل في الكاميرات والموبايلات علي الساحة.. ولكن.


في وسط كل ظاهرة مجتمعية تجد في الخلفية طرفين، أحدهما جاهل، والآخر منتفع، هكذا بدأت تنمو وتترعرع ظاهرة التصوير الفوتوغرافي في المجتمع المصري والعربي مؤخرا، وسط هذا الزخم تجد مواطنا بمنتهي الثقة اتخذ الوضعية الخطأ، في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ ليطلق للكاميرا العنان في تسجيل لقطات، تقتحم الخصوصية في كثير من الأحيان، لتخرج الترجمة للعامة تعكس تفسيرا للموقف علي العكس تماما من حقيقته.


قد لا يعرف البعض أن ثماني ساعات متواصلة استغرقها الفرنسي نيبس ليحصل علي صورة فوتوغرافية عام 1825، ليحقق فائدة وهدف من التصوير، ولكن بعيدا عن التصوير الفوتوغرافي كاختراع أو فن راق ومهنة محترمة، عن الجاهل والمنتفع أتحدث ودعوني أخبركم لماذا هذا التوصيف، ذلك الشخص الذي قام بالتقاط صورة لينشرها عبر "الفيس بوك" لتتداول تداول النار في الهشيم، وتلتقطها كافة أنواع الميديا، لتتصدر كافة الوسائلة المسموعة والمرئية والمقروءة، وتصبح هي الشغل الشاغل للمجتمع في التو واللحظة دون التفكير في الفائدة أوالتأثير التي تتركة لنا تلك اللقطة التي استغرقت بضع أجزاء من الثانية، في عصر تكنولوجيا الديجيتال أو الأجهزة الرقمية الحديثة.



صورة السيدة التي تستخدم حزام الأمان للأطفال، تلك الصورة التي ظهرت حديثا علي صفحات كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وربما يدركها التلفزيون ليصنع موضوعًا جديدًا للحديث، والجدل المعتاد بين قبول الشكل من عدمه، دون تفكير في الصورة الأشمل والأسباب التي دفعت الأم للجوء إلي هذه الوسيلة، فكيف تستطيع الحكم من مجرد النظر علي زاوية واحدة من الصورة دون البحث عما وراء الصورة إذا كنا نتحدث عن حدث عام 2015 ؟


هناك شخص ما صور مجموعة الصورة لتلك السيدة، معتقدا أنه قام بسبق قد يكون صحفيا، أو ربما هو مجرد مواطن ينتظر المزيد من الريتويت والشير، أو مصور ينتظر اللحظة ليطلق فيها عدسته وينطلق اسمه معها بالمثل، في حين لم يتوقف للحظات أي منهم ليفكر، فقد يدرك الكثير من الزوايا المرتبطة بالصورة، والتي لم تسجلها تلك العدسة، ولن تستطيع مهما بلغت بنا درجات التقدم ، من الجائز أن هذا الطفل تعرض للخطف ذات مرة، ومن المحتمل أن تلك الأم لا تملك من القدرات الخارقة ما يجعلها تحتويه بين زحام التكاتك والميكروباصات في شوارع مصر، الكثير والكثير من الأسباب التي جعلتها تلجأ لهذا الحل وهو ما لا يمكن أن تدركة عدسة السيد فوكس.


علي جانب آخر ، من يتابع سوقٍ البيع والشراء في مصر فليرصد معي كل ما يستطيع  من معلومات، كم من سلعة ارتفع سعرها بشكل خيالي؛ بسبب انتشار صورة أو خبر عبر الميديا أو السوشيال ميديا، كم من مكاسب وهمية قام بجمعها السادة المنتفعون بسبب صورة مثلما حدث واستفادت كافة القنوات من صورة المراسلة لمياء حمدين وتدويل قضية المرأة بمنتهي السخف وكأنها مستحدثة، وهناك من التجار من يستفيد من شائعة، ربما آخرها شائعة تسمم المياه، تلك هي حياتنا ففي موسم الامتحانات ترتفع أسعار الأقلام، مع خبر حشرة الإسكندرية وصورتها ترتفع أسعار مبيدات الحشرات، مع انقطاع الكهرباء والمغالاة في الحديث اليومي عنها ترتفع أسعار كشافات الإضاءة، ويحصد المنتفع "شوال" من الأرباح وهكذا تأتي متتالية الحياة اليومية في مجتمعنا، ثم نتحدث عن التغيير.



لم يدرك السيد فوكس أن هذا الحزام متداول في كثير من دول العالم التي نسعى لمعرفة كيف طالها قطار التقدم بينما نحن علي باب الكريم نستحي من مقولة العالم الثالث، كيف لنا أن نتقدم ونحن نرفض أبسط قواعد التغيير وهي منطقة الأمور طبقا لفائدتها وليس لشكلها، حديثي ليس عن الأم والوسيلة التي تستخدمها لحماية طفل ولها كل الحرية في ذلك، بل عن المتفضلين علينا في الحديث عن التغيير، فالتغيير ليس صبغة مثل صبغات الشعر تضعها لتغير لونه لفترة مؤقتة، لكنها لا تستطيع أن تغير نوعه أوجذوره، وطبقا لمجتمع السيد فوكس حاليا التغيير الوحيد المترتب علي تلك الصورة هو مكاسب السيد التاجر بائع حزام الأطفال، والذي سيصبح موضه قريبا علي سبيل العند وليس علي سبيل الفائدة كما أظن، فلتتركوا فن التصوير فنا كما اعتدناه، ولتتريثوا في إطلاق الصور علي العامة، فإن لم تكن صحفيا فأنت تجهل أن هناك من ينتظر الفرصة التي تحمل له الترافيك، وهنا يصح أن أقول ينطلق الجاهل ليحصد المنتفع.