التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:58 ص , بتوقيت القاهرة

هم فين السياسيين؟

سبب السؤال أننا لا نسمع صوتهم واضحًا في الصحافة والإعلام، أصبح نادرًا أن تجد تصريحات لهم حول الأحداث الكثيرة، التي تمر بها مصر ولا حتى المصائب المتلاحقة.  وإذا تصفّحت صفحات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، جوجل بلاس، تويتر، وغيرهم)، ففي الأغلب الأعم لن تجدهم، ومن الصعب أن تجد أثرًا لأنشطتهم وفعالياتهم.


ستجد من؟ 
ستجد فيديوهات وتصريحات وصورا وصراخا لمذيعين يملؤون شاشات الفضائيات. كل الأحداث التي تعيشها يعلقون عليها، ويحللون، في كل شيء وأي شيء. المفاجأة غير السارة أنهم أصبحوا هم الضيوف وهم المذيعون وهم السياسيون وهم الخبراء وهم كل شيء. أصبحوا يفهمون أكثر من المهندسين في الهندسة. يفهمون أكثر من الأطباء في الطب. يفهمون في السياسة أكثر من السياسيين. أصبحوا يفهمون أكثر من المجتمع " كله على بعضه". 


ما نتيجة ذلك؟ 
النتيجة أنهم أصبحوا قوة فوق المجتمع كله، يعطوننا المواعظ، ويرشدوننا في كل شيء في حياتنا. وإذا لم نسمع كلامهم، أمر عادي جدا أن "يسبوا ويلعنو، اللي خلفونا".


هل هذا طبيعي؟ 
بالقطع لا. فهذه ليست وظيفتهم. ليس منطقيًا أن يصبحوا هم بدلاً عن كل الناس. وينسون وظيفتهم الأصلية. وهي أن يخبروا الناس بما يحدث. أي أن "شغلة" الصحفي والإعلامي الأساسية هي أن يخبرني ويخبرك بما يحدث على الأرض. ويدير نقاشًا حوله. يأتي بكل الأطراف ويستعرض كل الآراء أمام المشاهد أو القارئ. هذا النقاش والمعلومات يختار منه الناس ما يريدون، أي يقتنعون بما يرون أنه صواب. ويختار الواحد منهم بعد ذلك الطريقة التي يمكنه من خلالها تغيير الواقع الذي يعيشه. أي بجملة واحدة دور الصحافة والإعلام هي أولاً وقبل أي شيء هي أن تخبر المجتمع بما يحدث حتى يمكنه من أن يختار الطريق الذي يعتقدون أنه صحيح لتغيير أو تصحيح ما يرونه أخطاءً تضرهم.


هل هذا يحدث؟ 
كما ترى لا. فلأن المذيع أو الصحفي أصبح هو السياسي والخبير وكل شيء، أصبح طرفًا أساسيًا في الصراع السياسي وغير السياسي. لذلك فهو يستبعد ما لا يتفق مع وجهة نظره الألمعية. يستبعد أية أطراف لا تتفق معه. يتجاهل أحداث ليست على هواه، رغم أنها "تخرق عين الشمس". بل ويمكن أن يزور أخبار أو يلونها أو يجتزئ منها ما لا يتفق مع آرائه العظيمة.


النتيجة: 
هي أنه يمارس الكذب والتدليس حتى يبقى هو الصح المطلق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. أظنك ستوافقني فيكاد يكون مستحيلاً أن تجد واحدًا منهم يعترف أنه أخطأ. فهم لا يخطئون. لذلك يجرون البلد وناسه جرًا الى معارك في الأغلب الأعم ليست حقيقية أو لا تخصهم.


هل هذا جديد؟ 
الحقيقة أنه ليس جديدًا. فهو موجود طوال الوقت. لكنه زاد عن الحد المعقول في فترة حكم الإخوان. فكان هناك استقطاب عنيف لدى كل الأطراف، فانتقلت الصحافة والإعلام في مجملها من خانة الإخبار ( أن تُخبر المجتمع بما يحدث) إلى خانة التحريض وما يتبعه من تدليس وتزوير. تفحشّت الظاهرة بعد 3-7، وأصبح لا يقدم تقريبًا أي شيء سوى التحريض، بل والدعوة إلى السجن والقتل والسحل.


هل هذا يعني أن المذيع لا يجب أن يكون له رأي؟ 
طبعاً المذيع أو الصحفي من حقه أن يكون له رأي. يكتبه أو يقوله. لكن الأساس هو إخبار الناس (أن يخبر المجتمع بما يحدث)، ويشارك بإيجابية في إثراء النقاش العام حول قضايا المجتمع مع كل الأطراف. لكن هذا كما ترى في الأغلب الأعم لا يحدث. وأصبحنا أمام هذه الظواهر في الصحافة والإعلام التي تقترب من البلطجة. هي كما ترى أفسدت النقاش العام وساهمت مع عوامل أخرى إلى تراجع السياسة والسياسيين أى خلفية المشهد. 


إلى متى يستمر ذلك؟ 
إلى أن نصبح بلدًا طبيعيًا،"كل واحد يشتغل شغلته".