الآثار والحضارة التي تركها "فتح الأندلس" لـ "إسبانيا"
بينما كانت أوروبا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما، وعاشوا جميع أنواع العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت مئات السنوات، كانت العواصم في الوطن العربي كبغداد زمن العباسيين والقاهرة زمن الفاطميين وقرطبة زمن الأندلسيين تطفح بالازدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب بل جاوزتها إلى البلدان الأوروبية ودخلت جامعاتها.
استفادت الأندلس في أن الوقت كما كانت تدعي من النخبة من الفلكيين وصيادلة وأطباء وفلاسفة وأدباء وعلماء طبيعة ورياضيون من المسلمين، وبعد ذلك حدث اتساع الإنتاج الزراعي والحرفي والثقافي في بلاد الأندلس وأخذت تباشير الحضارة الإسلامية حتى عبرت بوابة إسبانيا ومن ثم جزيرة صقلية وأخيرا عن طريق الحروب الصليبية التي لعبت دورا كبيرا في نقل الثقافة العربية إلى شعوب أوروبا.
وعندما عبر طارق ابن زياد بجيشه الصغير المضيق إلى إسبانيا في العام الثمانين من الفتوحات الإسلامية، استقبله سكانها المحليون وساعدوه لتحريرهم من نيران سلطة القوط البرابرة، فكانوا حقا شركاء في الفتح المبين.
وتمكن هذا القائد الفذ من إنشاء دولة ظلت آثار عظمتها في العلم والعمران، قائمة ومثيرة حتى هذه اللحظة.
كان الشعب الإسباني قديما محكوما من قبل الرومان، لكن بعد سقوط روما في القرن الخامس الميلادي هجم القوط المتوحشون عليه قادمين من الشمال بشكل مجموعات بشرية همجية بعضا منها وصفت بأنها كانت من اكلة لحوم البشر واستمر الحكم القوطي العسكري قرابة مائة عام حتى طردوا على ايدي المسلمين واخرجوا من إسبانيا.
ويقول المؤرخ الشهير "جوستاف لوبون" إن إسبانيا كانت فقيرة في كل شيء ولكن بعد أن دخلها العرب في القرن الثامن الميلادي حتى بدأُوا ينشرون فيها رسالة الحضارة، فاستطاعوا في أقل من مئة عام أن يحيوا خراب الأرض ويقيموا أفخر المباني وينشطوا الحركة التجارية، بعدها تفرغوا إلى دراسة العلوم والأداب وترجموا الكتب الأجنبية وأسسوا الجامعات التي كانت وحدها الملجأ الوحيد لثقافة أوروبا لزمن طويل وقد نمت مدينة قرطبة بسرعة حتى زاد عدد سكانها على المليون نسمة وغدت الحياة فيها متسمة بالرفاه والنعيم.
وبدأ المسلمون في تأسيس حضارة متفوقة جعلت من إسبانيا أجمل وأغنى البلدان الأوروبية وأنشأوا مدنا كبيرة مزدهرة لم يكن لها نظير على وجه الأرض، خططها مهندسون وشيدها بناؤون مهرة، وأصبحت قرطبة عاصمة الأندلس مركز الثقافة لبلدان أوروبا قاطبة، وكانت شوارع العاصمة تزيد على عشرة أميال طولا وقد عبدت وتمت إنارتها في الوقت الذي كانت فيه شوارع لندن وباريس ترابية وعرة وكان المواطنون يشقون طريقهم أثناء الليل في الظلام الحالك بصعوبة ويغوصون عميقا في الوحل بعد هطول الأمطار.
وأضاف المؤرخ الفرنسي "لقد انكب العرب الأندلسيون على دراسة اللغة العربية، لغة القرآن الكريم والاهتمام بتراثهم الخزين الذي أورثه لهم التاريخ، فظهر منهم لغويون فطاحل ألفوا العديد من الكتب في شتى مجالات الحياة وتمكنوا من ضبط القوافي والأوزان الشعرية التي مهدت الطريق لظهور شاعرات موهوبات كعائشة والغساسنة التي ملأن الأجواء العربية بعبيق قصائدهن الخالدة.
ويكمل "دريبار" عندما قدم المسلمون إلى إسبانيا بدوا باستصلاح الأراضي بواسطة نظام سقاية متطور، زرعوا قصب السكر والقطن والتوت والرز والموز، وكان أصحاب الحرفة يجوبون الولايات لجمع المعلومات الزراعية ونقلها إلى المزارعين في فن السقاية واستثمار التربة وحفظ المنتوج من على منابر المساجد".
ويتابع "كانت المعاهد الفنية تخرج كل عام أعدادا كبيرة من معلمي الموسيقى المهرة دليل شغف المجتمع الأندلسي بالطرب والاستماع إلى الغناء الجيد، وقد عرف عن أهل قرطبة تحليهم بالأداب العامة وبالسلوك المهذب من لطف ورقة واحترام، كما كان طلاب العلم يتوافدون على معاهد الأندلس من قارة اسيا وافريقيا واوروبا ليرتشفوا من نهل الثقافات المتعددة وعندما كانوا يكملون دراستهم يعودوا الى اوطانهم لينشروا ما تعلموه في بلاد المسلمين.
وهناك العديد من المعالم الأثرية الموجودة في إسبانيا حتى الآن منذ فتح الأندلس ومنها:
مسجد قرطبة
تم بنائه خلال قرنين ونصف قرن تقريبا، ويرجع تأسيس المسجد إلى عام 92 هـ، عندما اتخذ بنو أمية قرطبة حاضرة الخلافة الأموية في الأندلس، حيث انقسم المسلمون المسيحيين قرطبة كنيستهم العظمى، فبنوا في جزئهم مسجدا وبقى الآخر للروم.
جنة العريف
صممت "جنة العريف" لتكون حديقة وبستان فى مؤسسة إسلامية صلفة، فموقعها شمال قصر الحمراء وفى مجابهة مزارع غرناطة يعد شكلا آخر لذوبانها فى الطبيعة التي سيطرت على مباني غرناطة الأندلسية، ولذلك فإن القصر الواقع على المنحدر ووسط المزارع يتناسب مع الوصف الذي يقدمه ابن ليون للمساكن ذات الطابع الريفي في كتابه عن الزراعة.
برج الذهب
برج مراقبة عسكري، بني في عهد الخلافة الموحدة بإسبانيا على نهر الوادي الكبير في إشبيلية بغرض السيطرة على حركة المرور إلى الأندلس التي تعبر في نهر الوادي الكبير.
قنطرة قرطبة
هي معلم إسلامي يقع على نهر الوادي الكبير لقرطبة ويبلغ طولها أربعمائة متر وعرضها أربعين مترا وعلى ارتفاع ثلاثين مترا، معظم الفنادق في المدينة تنظم رحلات لزيارة القنطرة بتكلفة تتراوح بين 20 و 115 يورو.