منى هلا.. وهو الجواز إيه غير قبول وإشهار!
(1)
لا أعرف الأستاذة منى هلا معرفة شخصية. أُصَدِّر المقال بهذه المعلومة لكي أقول إنني لا أعرف عن حياتها الشخصية شيئا، لكي أدافع عنها أو أدينها، ولا يعنيني أن أبحث خلف حدود ما تسمح بخروجه للعامة، بالتحديد ما أدلت به في برنامج تليفزيوني.
في هذا الإطار، صُدمت وأنا أراها موضوعة في موقع المتهم لأنها تنشر صورا لها ولصديقها، على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يوحي بنوعية العلاقة بينهما. المذيعة تسألها مستنكرة: صاحبك صاحبك يعني؟ بمعنى بوي فريند. والمقصود طبعا الإشارة إلى إمكانية وجود علاقة جنسية بينهما.
خلونا نتكلم بصراحة. إنتو فاكرين لما تصدروا لنا "الوجه البريء" هنصدقكم؟! لا. سننفصل عنكم. سنعتبر أنكم لا تعبرون عنا ولا نعبر عنكم. وبعدين هترجعوا تزعلوا وتقولوا الشباب المصري منفصل عن الإعلام. أو ستساهمون في مزيد من النفاق والازدواجية، ومزيد من الأنطاع الذين يظنون أن كل من على الأرض "ساقطات" إلا أمهاتهم وأخواتهم وقريباتهم.
هل تعيشون معنا في هذه البلد أم أنكم كائنات من المريخ؟ هل سمعتم عن ظاهرة الزواج العرفي في الجامعات، قديما؟! أكيد سمعتم عنها. ما معناها بالنسبة لكم؟ هل تعتقدون أن الشباب والفتيات بيتجوزوا عرفي علشان يمسكوا إيدين بعض، أو يقعدوا ناظرين إلى الأرض من فرط "الحياء"؟
بلاش دي. لقد خف الكلام عن الظاهرة. طبعا ستعتقدون أن نصائحكم في برنامج "أي حاجة ف رغيف + الروح" قد أقنعت الشباب بالتوقف عن الممارسات "البطالة" وسمت بوجدانهم ووووو؟ تؤ تؤ تؤ. أبدا. أغلب الظن أن الشباب لقى موضوع الجواز العرفي بيزعلكم، وبيعمل مشاكل، فاستغنى عنه. استغنى عن الورقة. بينما الصين رأت أن هناك حاجة في المجتمع لمنتج جديد يسمونه "غشاء البكارة الصيني".
(2)
يا إخوة، في مصر مشكلة هوية تظهر في كل شيء. حتى في لقاء كهذا. كيف؟
مجتمعات الدين المسيحي القديمة، مثلا، عاشت في صراع مع موضوع الجنس. وهذا لأن الدين أعلى من قيمة الزهد الجنسي، ولم يقدم بدائل سوى الزواج الأبدي. مشاكل الزواج الأبدي لا تزال موجودة حتى الآن. لكن المجتمعات نفسها - أوروبا القرون الوسطى مثالا - لم تتوقف أبدا، رغم الردع الاجتماعي والأخروي، عن الجنس. ثم اخترعت حين بعدت عن سلطة الدين في الحكم وسائل أخرى مقبولة اجتماعيا لحل المسألة الجنسية. من تريد أن تستزيد من هذا فلتقرأ الكتاب الرائع المعنون An Intimate History of Humanity?.?
المجتمعات الإسلامية القديمة لم تعان إلى نفس الدرجة?. لماذا؟ بسبب موقف الإسلام من الجنس، ولا سيما لصالح الرجال. أربع زيجات، مللك يمين. حتى يقال إن الفتى كان يهدى جاريتين إذا بلغ الحلم. بالإضافة إلى التيسير الكبير لشروط الزواج والطلاق. زوجتك نفسي، زوجتك نفسي. والسلام عليكم. مهنة المأذون دي "بدعة والعياذ بالله". ما حدث مع كثرة عدد البشر هو الحاجة إلى توثيق "مدني" لا أكثر، أي موظفة أو موظف يستطيعان أن يقوما به. المسلمون كانوا يتزوجون قبل مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان. هذه مجرد كلمات تقال "لتحليل القرشين".
من هنا كان رد منى هلا على المذيعين بما معناه. هو الجواز إيه، مش قبول وإشهار وإعلان؟ أنا أشهرت وأعلنت.
هذا هو الرد البسيط. إنما الحقيقة الموضوع أكبر من ذلك كثيرا. الموضوع صار مرتبطا بفلسفة النظر إلى العلاقة الجنسية برمتها. بمعنى حتى لو قلتِ لهم "ماشي يا عم، إحنا هنعمل زي الإسلام الأصلي ما بيقول، أو على الأقل بعض مذاهبه المعترف بها". لن يعجبهم.
هنا مشكلة الهوية. لا نحن "مجتمع مسلم" ولا نحن "مجتمع مسيحي" قديم، ولا نحن مجتمع معاصر (صيني بأه أو ياباني أو غربي أو أفريقي زي ما انتي عايزة). لأ. نحن في الضياع. لماذا أقول هذا. أقوله لأن الإخوة المذيعين يدعون أن هذه "قيمنا الشرقية". جبتوها منين دي؟! إيه هي "قيمنا الشرقية"؟. شرقية الصين واليابان يعني ولا الهند ولا باكستان ولا إيه بالظبط؟
مافيش. والله مافيش. دي برضو أي حاجة في رغيف والسلام. نحن شعب يعتقد أن كلمة "مشكلة الهوية" هذه شيء سحابي، ضبابي، لا علاقة له بنا. مجرد عبارة من عبارات "المثقفين". لا نريد أن نفهم أنها عثرة في كل تصرف في حياتنا. وطبعا، الهويات خليط. لكن مشكلة الهوية تبرز أكثر حين تحاول مجموعة أن تفرض هويتها على الآخرين. كما يحاول المحافظون أن يفرضوا "هويتهم الشرقية" على الآخرين، أو المتدينون "هويتهم الإسلامية". ونفس الشيء بخصوص هويتهم الحداثية. إنما الحقيقة ما نراه دائما أن من تفعل كما فعلت منى هلا، من تعبر عن نفسها كما تشاء، هي التي توضع في موضع الاتهام. السعداء الوحيدون في مجتمعنا هم المنافقون، لأن النفاق متناغم جدا مع هوية المجتمع المضطربة.
(3)
أعود لأقول إن الموضوع هو فلسفة نظرة المجتمع إلى المرأة كصاحبة سلعة مطلوبة، هي سلعة الجنس. ورغبة في تعظيم الانتفاع بهذه السلعة عن طريق مالكيها الأصليين، حتى تسليمها إلى مالكيها الجدد. ومن ثم سحبها من السوق لكي يزيد الطلب عليها.
يظن الخبثاء في البداية أنهم كسبوا، وأن الشاب المحروم سيدفع ما يملك لكي يحصل على السلعة. لكن، بعد فترة، يزيد ثمن السلعة عن الطاقة الشرائية. وتبور. ثم - للأسف - تتحول إلى أرخص مما تستحق. بل تتحول إلى وسيلة لابتزاز المرأة.
لكي تفهمي ما أعنيه انظري إلى الفتاة الغربية، التي تتعامل في موضوع الجنس كإنسانة، إن صادقت شخصا ظهرت به في العلن، ليس لديها ما تخبئه (هو الجواز إيه غير قبول وإشهار). وانظري إلى حال الفتاة في مجتمعنا مقارنة بالفتى. حيث الأخير إن استطاع فعل وتباهى، والأولى وُصِمت وفُضحت وابتُزت. هذا ما أعنيه. لقد حولوا الجنس إلى وسيلة مساومة.
هل المجتمعات التي لا يمارس البشر فيها الجنس حتى سن متأخر مجتمعات سليمة صحيا ونفسيا؟ ليس هذا موضوع المقال، نستطيع أن نقرأ في هذا المبحث كما نشاء. لكن لنجرب الاستماع إلى قطة تبحث عن ذكر. فصوتها أصدق من ألف مقولة.
يبقى أنني لا أدعو إلى شيء معين. أنا أدعو إلى التفكير في الحال. والتفكير في حل. إلى الحوار لا القمع. لا بد من التفكير في حل عملي قابل للتطبيق (غير الصلاة والصوم وحياة أبوكم). فإن لم نستطع، فأقله أن نترك الناس يعيشون كما يريدون، ما داموا لا يؤذون أحدا، ولا يدعون إلى انتهاك حق أحد.
(4)
حين نتحدث عن "تجديد الخطاب الديني" فإن تزويغنا في "مناهج البحث" و"سلامة المصطلح" تشتيت عن الموضوع. الموضوع هو مفردات حياتنا اليومية. من يعجزون عن إدارة المجتمعات البشرية، بمفرداتها، إدارة تحفظ للناس كرامتهم، وتحافظ على صحتهم النفسية والجسدية، يجب أن يتنحوا من الطريق.