شيشة يا نهى!
"أيوة شيشة".. "شيشة عادي".. "شيشة فيها إيه يعني"؟
لو كان الأمر بيدي لغيرت المشهد المعروف إلى هذا السيناريو، ولأنطقت "نهى" بما سبق بلهجة جدية حازمة محترمة، لإيماني الراسخ التام بأن "الانحراف حاجة والتدخين حاجة تانية خالص".
أبحث كثيرًا عن اللحظة التاريخية التي حولت "التدخين" من عادة شائعة، يتبعها أغلب السيدات والسادة المصريين، كما ثبت بالدليل في المسلسلات المصرية في بداية التسعينات، إلى أمر خطير يُسبب اتهامات وشبهة للأنثى المدخنة.
دعونا نتحدث على بساط أحمدي ونفتح قلوبنا لبعضنا البعض على مصراعيها، ولكن قبلها يُرجى الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
*المقال يناقش "السيجارة" و "الشيشة" البريئة غير الممزوجة بأي نوع من أنواع الـ" الحاجات اللي مش بريئة".
*هذا المقال لا يناقش أضرار التدخين مطلقًا، وإنما يناقش التدخين كـ "حالة".
مبدئيًا لنطرح التساؤل الأهم في حياة كل مدخن "أنت بتدخن ليه؟"
من المعروف أن أغلب الشباب المصري قد بدأ التدخين في فترة مراهقته، وكما قيل كثيرًا بأن السبب هو أن يُثبت رجولته، ليأتيك صوت مألوف من بعيد "إيه دخل الرجولة في إنك تضر صحتك؟".
الحقيقة أن هذه الجملة بالتحديد تلخص الحالة كليًّا.
دعونا نقول إن الشاب في سن المراهقة يبدأ بالبحث عن كيانه الخاص، يبحث عن ملامح لشخصيته، محاولاً بقدر الإمكان الابتعاد عن الخطوط التي أعدها والداه مسبقًا، فيأتي هنا دور "السيجارة" يلوح للمراهق بأن ها هنا حاجزًا كبيرًا لتحطمه، وهو في الحقيقة من أسهل الحواجز تحطيمًا خصوصًا في ظل "السيجارة الفرط "، والتي لا تكلف النفس إلا جنيهًا واحدًا فقط أو ربما جنيهين اثنين على التسعيرة الجديدة، "ولا مين شاف ولا مين دري".
في اللحظة التي تُقرر فيها أنك ستخوض هذه التجربة، ستكون قد أعلنت أنك تتمرد على القوالب التي وضعها المجتمع، لهذه اللحظة – كما يُقال – لذتها الخاصة وجوّها الخاص الذي يستطيع بالمناسبة أن يخلق لديك حالة رضا عن النفس بأنك تمردت على الواقع، وتحديت المجتمع.
في الحقيقة هذه هي الأسباب التي تجعل الإنسان يُقبل على التدخين في البداية غالبًا، رغم مذاق "السيجارة" الكريه، والذي لا يشجع على الاستمرار، قبل أن يصبح إدمانًا للنيكوتين.
أما لو طبقنا على الفتاة في مجتمعنا هذه النظرية، سنجد بأنها قد تشعر بهذه الاحتياجات في فترة ما بعد المدرسة أو بعد التخرج حتى من الجامعة، والبدء بالبحث عن كيان مستقل، أو تحدٍ لمجتمع يحاصرها ويحاصرني ويخنقنا جميعًا بلا أي مبرر .
فهل في ذلك أي خطيئة أو شبهة؟
وهل تعلم أن لو كنا أقل تحفظًا على الأشياء لكانت أخف ضررًا علينا، وكنا أقل ممارسة لها، للتدخين ضرر كبير على الجهاز التنفسي بالكامل، بالإضافة إلى الفم متضمنًا الأسنان واللثة واللسان، ملوث للبيئة ومضر بالصحة العامة للجسم أيضًا.
ولكنّه ليس الوحيد المضر للإنسان، فالإفراط في تناول الدهون والسكريات هو أيضًا مضرّ، ولكن المجتمع يقبله ويرحب به، فماذا لو أخبرونا أنه لاحقاً سينظر للمرأة – على اعتبارها الحلقة الأضعف على الدوام - التي تشتري "الشوكولا" على أنها "استغفر الله العظيم" !!
وإذا اعتبرنا أن المجتمع "الكيوت" يعمل على ملاحقة العادات المضرة بالصحة، فلماذا يلاحق الفتاة ولا يلاحق الرجل! رغم أننا في الصحة سواسية لا فرق بين ذكر وأنثى، لا مبرر لذلك من وجهة نظري إلا أننا مجتمع "حافظ مش فاهم"، فكما يحاسب الفتاة أكثر من الشاب على جميع الأخطاء التي تتعلق بالمبادئ والقيم وتتغير ردود أفعاله على نفس الخطب بحسب جنس المواطن الذي يرتكبه، فإذا كان ذكرا إذن "عادي إشطة" "راجل ومش بيعيبه.."، وإذا كانت أنثى أقل ما يقال "هم البنات للممات ".
وجدير بالذكر أن عادة التدخين مرفوضة للأنثى بهذا الشكل فقط في مصر، أو بإمكاننا القول بأنها العادة الوحيدة المرفوضة في مصر، بعد أن روّجت لنا وسائل الإعلام الصحوبية، والغش، والكذب على سبيل "الروشنة"، ولم نعد نجد فيها ما يثير السخط والتعجب والاستغراب، بل بالعكس أصبحنا نقابلها بالتحفيز والتشجيع، فالفتاة يجب أن " تقفش في حد" من أي "كورس" أو وظيفة أو كلية أو حتى جيران، وإن لم تفعل فهي "خايبة"، بالرغم من أن الأذى الذي قد يلحق بها من ذلك قد يكلفها الكثير الكثير نفسيًا وجسدياً وماديًا ومعنويًا.
وكذلك الغش والكذب والفساد الذي يمضي بمجتمعنا إلى الخلف ويعدم الثقة بين الناس ويعطل حركة التقدم أو بالأحرى يعوق ولادتها في بلادنا، ولا أحد يكترث فقد تجد عريسًا جميلاً قد يعيبه "علاقاته" أو "مامته" أو "عمله" أو "ماله"، ولكن لا يعيبه أبدًا ولا أحد يكترث أصلا إلى أنه "من أين لك هذا؟!".
تلك العادات بعض من كل من العادات التي تفتك بنا وبالوطن والأمة نتحمل جميعنا وزرها من ذكور وإناث.. ربما لو أعدنا النظر في موضوع التدخين، لوجدنا أنه من الأفضل أن نعلم الجيل القادم أن الـ " الزايد أخو الناقص" و"كل حاجة بتزيد عن حدها بتتحول لضدها" وأخيرًا أنه خير عادة ألا تتعود على شيء.
ربما تخرج العادات غير الصحية من إطار الممنوع المرغوب، ونركز جهودنا لنبذ العادات المضرة فعلاً بكيان المجتمع والمسيئة لنا ولصورتنا أمام أنفسنا في الدرجة الأولى والغير بطبيعة الحال، لعل في مستقبلنا نجد شبابًا ربما يدخن الشيشة أو لا يستسيغ السجائر، ولكنه محافظ على خصاله الحميدة، مدركًا للصحيح ولماذا خلق صحيحًا، ومتلاشيًا للخطأ وهو يعلم لما جُعل خطأً.
أقول قولي هذا وأنا أؤكد عزيزي القارئ أنني لست من المدخنات مطلقًا "لكن بحترمهم" !
اقرأ أيضا