التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 11:53 ص , بتوقيت القاهرة

يا اختي ما تبحبحيها شوية

كلمة ظلت تُكررها سيدة في نهاية الأربعينات تقريبًا على مسامع إحدى الفتيات في آخر كنبة من ميكروباص متجه إلى مدينة طنطا، موطني الأصلي، وبدا على ملامح الفتاة الاستغراب عندما قالت لها السيدة: "ها تفضلي قاعدة كدة زي الساقية العطلانة من غير ثور يسحبك، وتقولي ياريت اللي جري ما كان" دي البنات أم شنب في شارعنا بيجري وراهم العرسان.


ضحكت كعادتي ضحكة عفوية جلجلت في أرجاء الميكروباص، فنظرتْ إليّ السيدة، وقالت للفتاة شوفتي أهم كل الرجالة كدا يموتوا في البت النغشة المدلعة اللي تجيبهم على ملا وشهم، شوّقي ولا تدوّقي يا بت، وضحكتْ ضحكة تذكرني بضحكة "أما دلال" في فيلم" نحن لا نزرع الشوك"، القوادة الشهيرة التي نصحت سيدة بالغواية وبيع جسدها لأقرب زبون يدفع، وتكون هي صاحبة الأمر والنهي وتبقى البنورة الملعلطة في كلوب الليالي.


وبعدها نطقت الفتاة، وعلى وجهها علامات الاستغراب والاستنكار، وقالت "إزاي يعني يا ماما"، ما أقدرش أعمل كدا يقولوا عليا إيه؟ وعندما سمعتُ كلمة ماما فتحت فمي ووسعت حدقات عيني من هول ما سمعت، هل هذه أمها؟ تحاول أن تجعل من ابنتها سلعة؟ فحاولتُ الإنصات أكثر وأكثر للحديث، وتابعت كلام أمها صاحبة قانون "شوقي ولا تدوقي"، وقالت تعليماتها لابنتها لتوضح لها أنها تريد أن تفرح بها وبليلة زفافها على عريس يبوس الأرض اللي بتمشي عليها ويجرى وراها بالمشوار.. وكانت تعليمات الشوق قبل الدوق كالآتي:


1- الضحك والهزار مسموح.. اللمس لأ ممنوع.
2- خروجة حلوة تشوفوا بعض.. مسك الإيدين على خفيف.
3- البوس لإيدك أه لكن لو جيتي مرة لون الروج متغير ولا متلخبط هاجيب رقبتك على صدرك فاهمة يا بت؟


سمعت الفتاة الكلام وهى تسأل سؤالا في منتهي البراءة، وبعد كدا ها يجي يخطبني يعني؟ قالت الأم صاحبة القانون إنتي وشطارتك على حسب الشوق وعلى رأي اللي قال "مسير الراجل.. قلبه يجيبه"، وإياكي تجيبيلي واحد مش لاقي ياكل وتعيشيلى قصة كفاح زي اللي عشتها مع أبوكي، وآخرتها  متشحططين أنا وإنتي في ميكروباص مش عربية نتفشخر بيها.. لا يا ماما لا ما أقدرش يا ماما.. جتك مو يلهفك يا ختي!


لاحظتْ الأم تعبيرات وجهي بالابتسام مرة، وبالاستنكار مرات، ونظرت إليّ وهي تعلم أني أتابع الحوار، ولاحظتُ عينيها تود أن تأخذ رأيي في الحوار الدائر عن شخصية البت النغشة الواعية اللي تقدر توقع الرجالة وتصطاد عريس وهي صاغ سليم،  ولا أحد يستطيع أن يقول عنها كلمة سيئة، فنطقت بعفوية برد فكاهي بديلا عن مناقشة قد تجلب لي وجع الراس وأنا عائد من عملي منهك، فكان ردي موجها للفتاة العشرينية  "يا اختي بحبحيها شوية.. وسيبيه يمسكها يا فوزية"، فتعالت الضحكات ورنت كأغاني المهرجانات، وبعدها أسندت ظهري وغرقت في نص نومة.


وبين اليقظة والنوم أخذت أفكر.. لو كل بنت "بحبحتها شوية "، وكل ولد استمتع بهذه البحبحة، هل سنرى قصصا رومانسية بطول الطريق وفوق الكباري وفي الجامعات وفي أماكن العمل، ويعم الحب شوارع مصر، ويختفي التحرش وحالات الاغتصاب والمعاكسات بسبب هذه البحبحة؟ أم سيكون المثل الشعبي الجديد " أول المصيبة بحبحة".