أبراهام لينكولن.. المنتصر للحرية
أصدر الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن في 22 سبتمبر 1862، ما عرف بالإعلان التمهيدي لتحرير الرقيق، مع الكشف عن نيته إصدار نص آخر، في الأول من يناير 1863، ينص على أن "كل الأشخاص الذين يُحتفظ بهم كأرقاء في أي ولاية أو أي جزء من ولاية، وحيث يكون الناس آنذاك في ثورة ضد الولايات المتحدة، سيصبحون عندئذ ومنذ ذلك الحين فصاعدا وإلى الأبد أحرارا".
الوعد بالحرية
أوفى لينكولن بوعده في مطلع العام الجديد، فقد نص إعلان تحرير الرقيق على أن كل العبيد الذين يعيشون ضمن أراضي الكونفدرالية، "هم من الآن فصاعدا سيكونون أحرارا، وعلى الحكومة التنفيذية للولايات المتحدة، بما فيها السلطات العسكرية والبحرية، أن تعترف منذ الآن بحرية الأشخاص المعنيين وتصونها". وأعلن البيان كذلك نية الاتحاد في تجنيد السود، وإنزالهم إلى ساحة المعركة.
مع دنوّ ذلك اليوم العظيم، كانت أصوات الغناء المنبعثة من مساكن الأرقاء ترتفع وتتزايد بشكل لم يكن مألوفا. كان الغناء أعلى وأشد جرأة وأقوى صدى واستمر منذ الليل. وتخللت معظم أبيات الأغاني إشارات إلى الحرية.
ظل لينكولن يدافع عن تحرير الأرقاء من منطلق عسكري. كتب قائلا: "ليس في مقدور أي قوة بشرية أن تخمد هذه الثورة دون استخدام أداة تحرير الرقيق كما استخدمتُها".
وأضاف: "إذا كان لهم (الأميركيون الأفارقة) أن يعرّضوا حياتهم للخطر من أجلنا، فلا بد لهم من أقوى الدوافع كي تحفزهم.. وبما أن الوعد قد حصل، فلا بد من الوفاء به.. وإلا فلماذا يضحون بحياتهم من أجلنا، مع العلم تماما بنيتنا في خداعهم؟.. وسأكون ملعونا على مر الزمان وإلى الأبد إذا أنا فعلت ذلك. فليعلم العالم أنني سأفي بوعدي للصديق والعدو، وليكن ما يكون".
الحرب الأهلية
لينكولن (1809 - 1865)، هو الرئيس الأمريكي السادس عشر، ويعتبر من أهم الرؤساء وأكثرهم تأثيراً في بلاده والعالم. ففي عهده حدثت حرب أهلية انفصلت على إثرها 11 ولاية وأعلنت الاستقلال باسم "الولايات الكونفدرالية الأمريكية"، لكنه أعادها إلى حظيرة الاتحاد.
على أن القرار الأهم الذي خلَّد اسم لينكولن في التاريخ البشري، هو إلغاء الرق العام 1863، فهذا الرئيس وُلد لأسرة فقيرة من المزارعين، ولم يلتحق بالمدرسة، لكنه ثقف نفسه ذاتيا، وانكب على قراءة الكتب، وتعلم مبادئ القانون حتى أصبح محاميا.
كان الأوروبيون الذي استعمروا العالم الجديد، قد دأبوا على جلب الرقيق من إفريقيا لأكثر من ثلاثة قرون، حيث أفرغت القارة السوداء من 25 مليون نسمة، وكان نصف الرقيق يموتون أثناء شحنهم في البواخر، فتلقى جثثهم في المحيط، ومن يصل منهم يباع في سوق النخاسة، لينتهي مزارعا أو خادما في بيت الأثرياء.
في بداية القرن التاسع عشر، أخذت الولايات الشمالية بالنظام الصناعي التخلي عن الرق، بينما تمسكت به الولايات الجنوبية القائم اقتصادها على الزراعة، وأصر البيض الجنوبيون على إبقاء الجيل الجديد من الزنوج في الرق بعد منع استيراد العبيد. وكانت هذه القضية أحد أسباب الحرب الأهلية منتصف القرن بين الجنوب والشمال، حيث نشطت الحركة المطالبة بمنع الرق والاستعباد، وفي تلك الفترة برز لينكولن، حيث التحق بالحزب الجمهوري، واشتهر بخطبه النارية ضد مؤسسة العبودية ونظام الرقيق، وتنديده بالطبقة المالكة للعبيد، وتهديدها لوحدة أمريكا.
الهجوم على لينكولن
كان يحارب جدارا شاهقا، ونظاما اقتصاديا قديما، فاتهمه خصومه بمحاباة "الزنوج" والإيمان بالمساواة بين السود والبيض، فتلك كانت تهمة خطيرة في ذلك الزمان. ولذلك أنكرها وأوضح أنه لا يسعى إلى المساواة ـ فذلك كفرٌ وتجديفٌ وخروجٌ من الملة ـ وإنما دعا فقط إلى إلغاء استرقاق الرقاب!
في الانتخابات الرئاسية عام 1860، اشتد الخلاف على الرق، وطرحت قضية الانفصال، وفاز لينكولن، لكنه لم يحصل على أصوات مؤيدة في ولايات الجنوب، رغم مناهضته للعبودية، بل إن الكثير من الساسة ورجال الإعلام وكبار المجتمع هدّدوا بالانفصال حال فوزه، فالصحافة التي يفترض أن تحمل مشعل الحرية وتقف إلى جانب المساواة بين البشر وتتبنى القيم الإنسانية الكبرى، انحازت بسبب مصالحها إلى العبودية، وأخذت تناهض الحرية والدعوة إلى المساواة.
إعلان التحرير
في سبتمبر 1863، أصدر لينكولن "إعلان التحرير"، الذي قضى بمنع الرق في بعض الولايات، وكان يطمح إلى اجتذاب العبيد للتحرّر من قبضة الملاك، ما أدى إلى استنفار هؤلاء. ومع استمرار الخسائر في الحرب الأهلية، تولدت ردة فعل لدى الشماليين، إذ اعتقد بعضهم أنهم لا يخوضون حربا من أجل توحيد وطنهم، بل من أجل تحرير الزنوج، وهي قضية أقل أهمية لديهم، بعيدا عن تقدّم البشرية وأفكار الإنجيل والأخوة الإنسانية!، ومع ذلك واصل لينكولن الحرب واستطاع إنهاءها وإخضاع الجنوب، بعد مقتل أكثر من نصف مليون نسمة غير الجرحى، فضلا عن حرق وتدمير المدن، كل ذلك من أجل فرض فكرة بديهية تماما، "أن البشر متساوون".
قيل عن لينكولن أنه رغم حربه لإنهاء العبودية، إلا أنه لم يكن مؤمنا بفكرة المساواة بين الأجناس، ويستدلون بميله إلى فكرة إرسال الزنوج المحررين إلى جزر البحر الكاريبي، أو إعادتهم إلى سواحل إفريقيا، بدافع سياسي بحت، وهو الحفاظ على السلم الأهلي.
إحدى الظواهر التي أثارت حيرة الباحثين، أن هناك شريحة من السود، كانت ضمن معارضي لينكولن في دعوته لإنهاء العبودية، وبعضهم قاتل مع البيض ليبقى عبدا إلى الأبد.