قصة المصرية العائدة من دوامة "عاصفة الحزم" السعودية على دولة اليمن، علياء جابر محمود، أعطت الحرب الدائرة هناك بعدًا جديدًا، خاصة وأن مصر إحدى دول التحالف العربي، المنوط به تأمين المياه الدولية قرب "باب المندب"، لحماية المصالح المصرية.

لكن دعونا لا نتسرع، ونتبع القصة من بدايتها، لابد وأن نسأل أنفسنا، عن السبب الذى دفع فتاة مصرية وحيدة، إلى السفر لدولة اليمن، ومن هي "علياء جابر محمود"، التي انتهت قصتها على طريقة الأفلام الهندية، بشكل سعيدة.

فى 25 أبريل 2013، نشرت "علياء" صورتها ضمن الرافضات لتصريحات وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود، بحكومة هشام قنديل، وهي تحمل ورقة مكتوب عليها، "سيادة الوزير المتحرش: تحب نيجلك فين؟"، ردًا على تعليق غير مسؤول تلفظ به الوزير، كرد فعل عصبي بمؤتمر صحفي عن سؤال إحدى الصحفيات: "أين الدولة من حرية الإعلام والتعبير؟، فأجاب عبدالمقصود: "ابقي تعالي وأنا أقولك فين؟"، وهو ما أثار استياء المصريات، اللاتي رأين التعليق تحرشا لفظيا بالصحفية، لا يصدر عن مسؤول رسمي.

ضمن أخريات، شاركت علياء في حملة "فاض بينا يا بهية  ضد مجتمع العنصرية"، وهي الحملة التي أطلقتها مصريات عبر موقع "فيس بوك"، بسبب انتشار ظاهرة التحرش في الشارع المصري.

وكأحد أبناء جيل خرج ليطلب "الحرية والكرامة" يوم 25 يناير، اهتمامات علياء  لم تقتصر فقط على حقوق المرأة، بل امتدت لرفض إهانة وتعذيب المصريين، داخل أقسام الشرطة.

#رجالة_مصر_ماتتعراش مسيره نسائيه ضد انتهاك و سحل و ( تعريه ) الرجل المصرى .https://t.co/FVhknIKM …

alyaa gaber mohamed (@alyaagaber) February 4, 2013

بعد ماسمعنا ايه اللى وداها هناك و عبايه كباسين على تعريه بنت مصر .. #بهيه ترد على سحل و تعريه الرجل المصرى ب #رجالة_مصر_ماتتعراش

alyaa gaber mohamed (@alyaagaber) February 3, 2013

وفي 5 فبراير 2013، أطلقت دعوة للتجمع بميدان طلعت حرب، لرفض سحل وتعذيب المواطنين المصريين داخل أقسام الشرطة، تحت مسمى "رجالة مصر ما تتعراش"، وذلك كرد فعل على مشهد تعرية قوات الأمن لمتظاهر بمحيط قصر الاتحادية، حيث كتبت: "ناضلنا خلال عامين ضد انتهاك وسحل المرأة المصرية والتحرش بها بكل الوسائل الفاضحة، وكان رد فعل المجتمع بأسره هزيلا، سنستكمل نضالنا ضد الانتهاكات التي تحدث لكل مواطن مصري، حتى نحصل على حق الكرامة الإنسانية للجميع".

ربما أصيبت "علياء" مثل كثيرين، باليأس من تحقق أهداف ثورة يناير، لذلك اختارت التعامل ببرجماتية مع الواقع، متخلية عن رومانسية الحلم،  وعقب انتهاء حكم الإخوان فى 22 سبتمبر 2014 ، كتبت بوضوح: "اختيار طريق المطار"، متوجهة إلى دولة "اليمن السعيد". 

"يجب على البشرية أن تضع حداً للحروب قبل أن تضع الحروب حداً للبشرية."، عبارة منسوبة للرئيس الأمريكى "جون كينيدي"، الذي حاول إنهاء تدخل بلاده في مستنقع فيتنام، فاغتيل على يد تحالف تجار السلاح.

ربما قرأت علياء يومًا عبارة كينيدي، وربما نسيتها، لكن الأكيد أنها وهي تشاهد على شاشات التليفزيون، صور ميلشيات "عبدالملك الحوثي" تحاصر العاصمة "صنعاء"، وتطرد رئيس السلطة المنتخبة عبدربه منصور هادي، تذكرت المثل المصرى الشهير "المنحوس منحوس".

كانت علياء ضمن فريق عمل إطلاق فندق "سويس آن" بدولة اليمن، الذي كان من المفترض افتتاحه، أبريل الحالي، لكن تطور الأحداث، عصف بمجهودات الفريق على أرض الواقع، فتحول حلم العمل إلى سراب. مرة أخرى تجد "علياء"  نفسها  فى خضم  حرب أهلية، وتدخل حربي لتحالف عربي، يقصف قوات متمركزة على الأرض، ما جعل من المصريين طرائد لمناصري مليشيات الحوثي. باختصار كان عليها مجددًا أن تهرب من خطر الموت.

"تتبدى الروح المصرية كلما عظمت الشدائد"، ربما هذا هو السر الوحيد الكامن فينا، إذا أردت الإجابة عن "كيف يفوز المنتخب؟، كيف حدثت الثورة؟، كيف نجت علياء من الموت المحقق؟، هناك إجابة واحدة فقط، "الروح الساخرة من  الموت المحقق"، فوسط حالة الحرب بين الشمال والجنوب، نشرت علياء صورتها جالسة على رمال صفراء، وجسدها الصغير يتضاءل خلف سلاح آلي، لتسخر من كل شيء: "أنا عايشة.. أنا كويسة.. أنا تمام.. كل الموضوع بس إن أنا في بلد فيها حرب.. عادي يعني".

عادت علياء مرة أخرى إلى مصر، ولم تفقد ذرة من روح الثورة الساخرة، عبر سفينة بحرية هندية، نجحت فى إجلاء رعايا أجانب إلى دولة جيبوتي، ومنها إلى أرض الوطن، لتكتب لنا كشاهد عيان على  الحرب الأهلية  باليمن، وتضيء قصتها زاوية  مظلمة  عن هؤلاء العالقين في الحرب مرغمين.