فيديو| "البصخة".. أسبوع الآلام والعبور
بعد انتهاء عيد أحد الشعانين، يستعد الأقباط والمسيحيون الشرقيون بشكل عام، لصلوات "البصخة المقدسة"، بمناسبة بدء أسبوع الآلام، الذي يمثل للمسيحيين "أقدس أيام السنة"، حيث يحوي ذلك الأسبوع طقوسا وصلوات وقراءات خاصة، تحرص خلالها الكنيسة على أن تعيش قصة الصلب بكل ما فيها من معاني.
أصل كلمة "بصخة"
كلمة "بصخة" تعني باليونانية الـ"فصح"، والتي يقابلها في العبرية "بيسح Pesah" أو بالإنجليزية "Pass-over"، وهي بمعنى "العبور" أو "الاجتياز"، وهي تنطق في القبطية واليونانية "بصخة Pascha".
واستخدمت الكنيسة هذه العبارة في إشارة للذبيحة التي ذبحها موسى وبني إسرائيل حينما كانوا في مصر وجعلت "ملاك الموت" يعبر عنهم ولا يهلكهم حينما رأي دم الذبيحة، حيث تؤمن الكنيسة بأنها كانت رمزا للذبيحة الحقيقية، وهو دم المسيح الذي سُفك على الصليب ليفديهم، حتى يجتاز البشر الموت وينتصرون عليه بالقيامة في اليوم الأخير، كما قام المسيح من بين الأموات منتصرا على الموت، ولهذا السبب يسمون المسيح "الفصح الحقيقي"، كما قال بولس الرسول "فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو 5: 7).
صورة لكتاب ترتيب ونظام صلوات البصخة
أسبوع الآلام تاريخيا
كان أسبوع الآلام في القرون الثلاثة الأولى يأتي منفصلا عن صوم "الأربعين يوما" المقدسة، حتى قررت الكنيسة في عهد البابا ديمتريوس الأول (البطريرك القبطي رقم 12) (188- 230م) أن يكون أسبوع الآلام تاليا للصوم الأربعيني.
وكانت قوانين الرسل تقضي بأن يقرأ المسيحيون العهد القديم والجديد خلال هذه الفترة، حتى رأت الكنيسة في ذلك صعوبة على المسيحيين فقررت في عهد البابا غبريال الثاني (ابن تريك) (1131 – 1146م) وضع نظام لقراءات الأسبوع، تتضمن كل نبوات العهد القديم عن صلب المسيح، وفصول الأناجيل المتضمنة لأحداث الصلب وما سبقها من تصاعد للأحداث، وقسمها لساعات وجعل لكل ساعة قراءات معينة من النبوات والأناجيل وأقوال الآباء ورتبها طبقا لسير الأحداث في الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح.
وقام بجمع كل هذا في كتاب معروف حتى الآن باسم "الدلال"، وطرقت على هذا النظام بعض تعديلات بسيطة إلا أن الهيكل الأساسي له مازال يعمل به حتى الآن.
أبرز ملامح طقوس البصخة
بعكس كل صلوات الكنيسة، فإن "صلوات بصخة أسبوع الآلام" تجرى في الخورس الثاني (أي ليس أمام الهيكل مباشرة مثل باقي الصلوات)، لأن المسيح صُلب خارج أوروشليم، مثلما كانت ذبيحة الخطية في العهد القديم تحرق خارج الأقداس.
الأقباط يصلون البصخة في الخورس الثاني (ليس أمام الهيكل مباشرة)
وتعلق الكنيسة الأستار السوداء للمرة الوحيدة خلال هذا الأسبوع، حزنا على خطايا البشر التي تسببت في آلام المسيح.
كما لا يتم خلال هذا الأسبوع الصلاة على الموتى وإلا يمارس سر المعمودية أو الميرون أو الزواج لأحد، لتركيز الكنيسة على صليب وآلام المسيح فقط خلال هذه الفترة.
ويكرر المصلون عشرات المرات في كل أيام أسبوع الآلام تلاوة لحن "ثوك تي تي جوم نيم بي أوؤو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه" بمعنى "لك الملك والقوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد"، ويأتي ذلك التكرار تأكيدا على أن صليب المسيح ليس علامة ضعف، بل هو علامة القوة والانتصار، حيث تؤمن الكنيسة بأن المسيح قبل أن يصُلب بإرادته، وقرر أن يتحمل الآلام عن البشر بمحبته له لهم، فالصليب بالنسبة للكنيسة هو علامة الحب الباذل الذي أنتصر على الآلام والموت، بالقيامة مبتلعا الموت الذي لم يتمكن منه.
وتقول الكنيسة عن السيد المسيح إنه "داس الموت بالموت" حتى لا يصبح له سلطان على البشر، ويقول عنه القديس أثناسيوس "الذي أظهر بالضعف ما هو أقوى من القوة".
البابا شنودة الثالث يتكلم عن فلسفة صلوات البصخة
أيام الأسبوع
وترتب الكنيسة القراءات للأسبوع الأخير في حياة للسيد المسيح بحسب الأيام، حيث يوافق يوم الأثنين طرد السيد المسيح للباعة من الهيكل الذي دنسوه وهو رمز لتطهير قلب الإنسان من الخطايا، ويوم الثلاثاء يوافق آخر مرة يعلم فيها المسيح داخل الهيكل، والأربعاء الذي يوافق التآمر على المسيح من رؤساء كهنة اليهود في ذلك الوقت، متذكرين خيانة يهوذا في ليلة خميس العهد.
ويأتي يوم الخميس الذي يسمى خميس العهد ضمن أهم أيام أسبوع الآلام، حيث يوافق تأسيس المسيح لسر التناول والإفخارستيا والاتحاد بالله، حيث تقيم الكنيسة هذا السر منذ ذلك اليوم وحتى الآن، وتعتبر فيه الكنيسة أن ذبيحة المسيح ذبيحة حية وممتدة، لا كتذكار أو تكرار لذبيحة ذُبحت في الماضي وإنما إمتدادا لها.
ولا يقل عنه أهمية بالنسبة للكنيسة يوم "الجمعة العظيمة" أو "الجمعة الحزينة" الذي يوافق صلب المسيح وتألمه، وتقوم الكنيسة بقراءة كل ما يتعلق بالصلب، ويحرص معظم المسيحيين على الصوم حتى غروب الشمس ولا يفطروا إلا على أكل نباتي، كمشاركة لآلام المسيح الذي علق على الصليب لساعات متألما بلا أكل أو مياه.
ويعقب ذلك فجرا صلوات "سبت الفرح"، الذي تؤمن الكنيسة أنه اليوم الذي نزل فيه المسيح ليحرر النفوس التي تملك الموت والهلاك الأبدي عليها، ثم تقوم الكنيسة ليلا بإقامة صلاة قداس عيد القيامة لتنتهي أيام الصوم التي تمتد لمدة 55 يوما.