التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:51 م , بتوقيت القاهرة

برهان العسل.. بحث عن الجنس المفقود في التراث الإسلامي

خاضت الكاتبة السورية سلوى النعيمي تجربة رائدة للتنقيب عن الجنس في التراث العربي الإسلامي، واجتمعت أسباب عدة لتمنح نصها "برهان العسل" فرادة وأهمية كبرى في مسيرة الأدب النسائي العربي، منها طبيعة الفكرة وجرأة الأسلوب وجودة اللغة وخلوّها من التكلف الذي يغري به الموضوع.


ينطلق النص من تساؤل مهم، عن ما وراء "العقدة الجنسية العربية"، وتبجيل الفعل والمواراة في الحديث عنه، وكذلك تقديس التراث الإسلامي دون جانبه الجنسي، فتتساءل الكاتبة عن أسباب تجاهل العرب المعاصرين لهذا الجانب الذي شغل حيزا كبيرا من تراثهم.


"لماذا يمكنني أن أتباهى بقراءة الأدب البورنوغرافي الغربي والشرقي وأخفي قراءتي للتيفاشي؟ لماذا أعلن عن ولعي بجورج باتاي وهنري ميللر والماركيز دو ساد وكازانوفا والكاما سوترا، وأتناسى السيوطي والنفزاوي؟".



العرب هم الأمة الوحيدة التي تعدّ الجنس نعمة، وتشكر الله على هذه المتعة. ألا يستهل الشيخ الإمام العلامة سيدي محمد النفزاوي، رحمه الله، (روضة العاطر في نزهة الخاطر) بحمد الله الذي جعل اللذة الكبرى للرجال في فروج النساء، وجعلها للنساء في أيور الرجال، فلا يرتاح الفرج ولا يهدأ ولا يقر له قرار إلا إذا دخله الأير، والأير إلا بالفرج…".


فكرة واضحة ومتبلورة، لدرجة أنها طغت كثيرا على النص، الذي يصعب تصنيفه كـ"رواية"، لغياب الصراع والحبكة، وعدم وضوح الشخصيات، وهذا لا ينفي أنه نص سرديّ مميز، وثوري من الدرجة الأولى، رغم تركيز معظم النقاد على "إيروتيكيته".


نجد البطلة تفصح طوال الوقت عن مبادئ فلسفتها الجنسية، وقواعدها الخاصة المصادمة ــ طبعا ــ لـ"العقيدة" الجنسية العربية المتناقضة، فتتجاوز سؤال الأدب النسائي بشأن ملكية الجسد، إلى تساؤلات حق المرأة في التعددية الجنسية، ومآزق الزواج الأحادي، وقطعا التناقضات الاجتماعية بشأن كل ذلك.


أمتلك حسا أخلاقيا لا علاقة له بقيم العالم الذي يحيط بي. رفضتها منذ زمن لا أتذكره. هذا الحس الأخلاقي الشخصي هو الذي يزن أفعالي ويمليها عليّ. أنا التي برمجت معاييري. ما يهمني هو معنى ما أفعل وانعكاسه عليّ وعلى حياتي: وجهي بعد الحب ولمعة عيني ولملمة أجزائي وجذوة الكلمات تتقد حكايات في صدري.


إن الزواج الأحادي مخالف للطبيعة، وإن كلمات مثل الإخلاص، كذبة كبيرة، وإن الرغبة الجنسية لا يمكن إلا أن تكون حرة..".


ولا نكاد نجد شخصيات متماسكة باستثناء شخصية الساردة، تليها شخصية "المفكر"، الذي ربما ليس له وجود في الواقع، وإنما فقط في خيالات الساردة، وذلك رغم الأثر الكبير الذي تركه عليها لدرجة أنها تقسم حياتها إلى قسمين (ق.م - قبل المفكر) و(ب.م - بعد المفكر)!!


"قبله كانت الجاهلية الأولى. ألتقي رجالا، أصطفيهم ويصطفونني. أعرف ما أريد ولا يعنيني ماذا يريدون. صفحات ممتلئة بكلمات ينكتب بعضها فوق بعض (...) جاء المفكر ليلقي الضوء وينظم الأساطير. لم يجُبّ ما قبله، لكنه جعلني أدخل في منطقة وعي جديدة.


كتب لي المفكر يوما يتحدث عن الحب. قلت لنفسي: كيف يستعمل كلمة مثل هذه. أتجنبها قدر ما أستطيع. معه ومع الآخرين. أنا لا أعرف الحب، أعرف الشهوة. الحب ينتمي إلى عالم من الماورائيات يتجاوزني، ولا أريد أن أركض خلفه. الشهوة، شهوتي أو شهوة الآخر أعرفها، ألمسها، أراها، أشمها، أعيش إعلاناتها وتحولاتها. هي وحدها تمسك بيدي وترافقني إلى مساحاتي المجهولة".


وتوظف الكاتبة ـ بذكاء ـ الكثير من النصوص الجنسية التراثية، لدرجة أنها تورد عددا من الأحاديث النبوية وتعلّق عليها بتعليقات دالّة.


"جاء رجل للرسول يقول، يا رسول الله إن امرأتي لا ترد يد لامس.


قال الرسول، طلقها.


قال الرجل، إني أحبها..


قال أمسكها. (رواه أبو داوود والنسائي وصححه الحافظ بن حجر)


أنا فهمت الدرس البسيط جيدا. أستمتع بهم ويستمتعون بي. نقطة. انتهى. لا أريد منهم حبا ولا إخلاصا ولا وفاء، ولا تعهدا بإغلاق الأفق والعينين وفتحة البنطلون".