التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 04:42 م , بتوقيت القاهرة

خمسة مخرجين في مواقع التصوير

في الأسبوع الماضي بدأنا رحلة مع كبار مخرجي العالم، من خلال ما قالوه في كتاب "محاضرات في الإخراج السينمائي"، إعداد وتحرير لوران تيرار وترجمة محسن ويفي، الكتاب الذي يجمع مقابلات مختارة مع 21 من أعظم المخرجين، يتحدث فيها كل منهم عن أسلوبه السينمائي وتعامله مع عناصر صناعة الفيلم. الأسبوع الماضي قدمنا بعض الآراء عن التعامل مع الممثلين، وهذا الأسبوع ننتقل لعنصر التعامل مع موقع التصوير والتحضير له.


كلود سوتيه



"تفصيلة صغيرة يمكن أن تؤثر على مجمل الفيلم. لكن العنصر الذي يتمتع بالأثر الأكثر جسامة على عمل المخرج ـ ومن العبث ادعاء غير ذلك ـ هو العامل الاقتصادي، فالهدف الأكثر واقعية لسينما الموجة الجديدة الفرنسية مثلاً، كان شديد الارتباط بمسائل الميزانية. أحيانا يشعر الناس أن التصوير في الأماكن الطبيعية هو الأرخص. ولهذا يقومون بالتصوير في شقق حقيقية بديلا عن الاستوديو. لكن كلا القرارين له نتائج مهمة بالنسبة لسمات الفيلم الجمالية. عندما تصور داخل ستوديو، فأنت تحاول أن تدب الحياة في مكان مصطنع، بينما في الحالة المعاكسة، فأنت تحاول أن "تؤسلب" مكانا حقيقيا كاملا. ولهذا، ففي الاستوديو، يشتمل الهدف الأسلوبي على خلق فوضى، وفي الموقع الحقيقي، يشتمل على خلق نظام. وهذا يؤدي إلى تغير عدد متعاظم من الأشياء. بالإضافة إلى ذلك، في المكان الطبيعي ستضطر لاستخدام عدسات بأطوال بؤرية قصيرة والحد من حركات الكاميرا، لأنك لن تستطيع تحريك الحيطان من الطريق كما تفعل في الاستوديو. وكل ذلك يؤدي إلى التأثير في المفهوم البصري للفيلم".


تيم بيرتون



"في أي موقع تصوير فيلم، والأكثر في موقع تصوير فيلم هوليوودي، تبدو المخاطر جسيمة والضغط مرتفعا حتى يدفعك لتخطيط أشياء عديدة قدر المستطاع مقدما. لكن كلما صنعت أفلاما أدركت أن التلقائية هي بالفعل أفضل نهج، لأنك ـ وهذا بالتحديد أعظم درس تلقيته خلال تجربتي ـ لا تعرف أي شيء حتى تدخل بالفعل إلى موقع التصوير. يمكنك إجراء بروفات كما تريد، يمكنك جدولة لقطات السيناريو لو أن ذلك يبعث الطمأنينة في نفسك، لكن ما إن تصير في مكان التصوير الفعلي، فلا شيء من ذلك يعني الكثير. فجدولة السيناريو ستكون دائما أقل إثارة للاهتمام، لأن الديكوباج يقدم لك واقعا ببعدين، بينما موقع التصوير هو وسيط ذو ثلاثة أبعاد.


لذا فأنا أميل إلى عدم الاعتماد على جداول السيناريو كثيرا. ونفس الشيء مع الممثلين. فهم لا يتصرفون أبدا بنفس السلوك عندما يكونون في موقع التصوير الفعلي وهم بملابسهم مع الماكياج. لذا أحاول أن أطرد أية أفكار مسبقة عندما أصل إلى مكان التصوير، وأدع جزءا كبيرا لسحر اللحظة. وبالمناسبة، فكل فيلم له جانبه التجريبي الخاص به. بطبيعة الحال، الاستوديوهات لا تريد الاستماع لمثل هذا الكلام. لأنهم يرغبون في تصديق أنك تعرف بالضبط ما تنوي فعله. ولكن الحقيقة هي أن القرارات الأكثر أهمية الخاصة بالفيلم تتخذ في اللحظة الأخيرة، وأن المصادفة تلعب دورا أساسيا. إنها أفضل طريقة للعمل، وأود حتى الذهاب لأبعد من ذلك بكثير كي أقول إنها الطريقة الوحيدة لصنع فيلم مثير للاهتمام".


وونج كار واي



"أما عن قرار وضع الكاميرا في لقطة محددة، حسنا، هناك قاعدة نحوية، ومع ذلك فإنها دائما ما تخضع للتجربة. عليك دائما أن تسأل نفسك سؤال لماذا؟ لماذا أضع الكاميرا هنا وليس هناك؟ لابد أن يكون هناك نوع من المنطق، حتى ولو لم يعنِ ذلك شيئا لأي أحد فيما عداك. إنه مثل الشعر، بالفعل، فالشعر يستخدم كلمات بوسائل مختلفة، أحيانا يكون ذلك من أجل جرس الصوت، أو من أجل النغمة، من أجل المعنى.. إلخ. كل واحد يستطيع خلق لغة مختلفة باستخدام نفس العناصر. لكن مع الاستمرار، فلابد أن ذلك يقصد شيئا ما. ربما يبدو ذلك تحليليا، لكنه ليس كذلك. تعد أغلب قراراتي غريزية. فلدي عادة إحساس قوي بما هو على صواب وبما ليس كذلك، والأمر يحدث بمثل هذه البساطة".


دافيد كروننبرج



"هناك مشهد في فيلم وجود eXistenZ تقول فيه جنيفر جاسون ليه: عليك أن تمارس اللعبة كي تعرف عن ماذا تدور اللعبة. بوضوح، هذا ما أعتبره الهدف من صنع الأفلام. فلن أتمكن أبدا من تفسير ما الذي يدفعني تجاه مشروع محدد، بصنع فقط الفيلم أستطيع أن أفهم لماذا صنعته، ولماذا صنعته بهذه الطريقة. معظم أفلامي بالإضافة إلى ذلك هي مفاجأة كاملة عندما أشاهدها بعد الانتهاء منها. وهذا شيء لا يزعجني. بل في الواقع، إنه شيء أتطلع له.


بعض المخرجين يقولون إن لديهم رؤية ملموسة للغاية عن الفيلم داخل ذهنهم قبل أن يقوموا بصنعه، إنهم لو نفذوا الفيلم الذي هو داخل ذهنهم فسيكون 90 بالمائة متمازجا مع المنتج النهائي الفعلي. لا أفهم كيف يحدث ذلك، لأن هناك تغييرات عديدة صغيرة تحدث يوما بعد يوم عندما تصنع فيلما. تغييرات صغيرة يمكن أن تتراكم في النهاية كي تصنع فارقا كبيرا عن ذلك التصور الذي كان في ذهنك منذ البداية.


أعرف أن ألفريد هيتشكوك قد زعم أنه قادر على تصوير فيلمه بصريا لقطة لقطة. ولكنني لا أصدقه. أعتقد أن الذي يتكلم هكذا هي ذاته المتضخمة. وأؤمن أن الأكثر أهمية هو أن يكون في مقدورك أن تعرف، بالحدس، أن القرارات التي اتخذتها صحيحة، دون محاولة تفسيرها عقليا ـ على الأقل أثناء صنعك للفيلم. وسيكون لديك المزيد من الوقت كي تحلل هذه القرارات بعد أن يستكمل الفيلم. في الواقع، لو أن ما قاله هيتشكوك حقيقي، فإنني أشفق عليه تقريبا. فهل يمكنك تصور انقضاء عام من عمرك وأنت تعمل في فيلم قد رأيته بالفعل في ذهنك؟ سيكون ذلك شيئا مضجرا للغاية".


وودي آلان



"وأخيرا، الخطر الجسيم الذي أحذر أي مخرج في المستقبل منه هو أن تعتقد أنك تعي كل شيء عن السينما. أصنع أفلاما الآن ومازلت أصاب بالدهشة وحتى بالصدمة أحيانا على ردود أفعال المتفرجين. أظن أنهم سيعجبون بهذه الشخصية، فتنقلب الحال وتجدهم غير مكترثين إطلاقا بها، وإنما يحبون شخصية أخرى. أظن أنهم سيضحكون عند موضع محدد، فتنتهي بهم الحال إلى الضحك عن شيء ما لم أعتقد إطلاقا أنه مثير للضحك. إنه أمر محبط قليلا. ولكن هذا ما يجعل هذه المهنة ساحرة للغاية، شديدة الجاذبية، وممتعة. لو أنني أعتقد معرفتي بكل شيء فيها، لكنت قد توقفت عن ممارستي لها منذ زمن بعيد".