التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:36 ص , بتوقيت القاهرة

مولاي يا مولاي

مولاي إني ببابك قد بسطت يدي .. من لي ألوذ به إلاك يا سندي 
أقوم بالليل والأسحار ساكنة .. أدعو وهمس دعائي بالدموع ندي
بنور وجهك إني عائذ وجل .. ومن يعوذ بك لن يشقى إلى الأبد 
مهما لقيت من الدنيا وعارضها فأنت لي شغل عما يرى جسدي
تحلو مرارة عيش في رضاك .. وما أطيق سخطاً على عيش من الرغد
من لي سواك ومن سواك يرى قلبي ويسمعه .. كل الخلائق ظل في يد الصمد 
أدعوك يا ربي فاغفر زلتي كرما واجعل دعائي حسن معتقدي
وانظر لحالي في خوف وفي طمع .. من يرحم العبد بعد الله من أحدِ
مولاي إني ببابك قد بسطت يدي .. مولاي من لي ألوذ به إلاك يا سندي


كشف الإعلامي المصري الراحل وجدي الحكيم في إحدى حواراته الصحفية القديمة، أنه كان أحد المشاركين في صناعة  "مولاي إني ببابك"، مؤكدًا أن الفضل في بداية التعاون بين الشيخ سيد النقشبندي والموسيقار بليغ حمدي يعود إلى الرئيس الراحل أنور السادات حيث كان السادات عاشقا للإنشاد الديني ولصوت الشيخ النقشبندي.


ذكر وجدي الحكيم أنه في عام 1972 كان السادات يحتفل بخطبة إحدى بناته في القناطر الخيرية، وكان النقشبندي موجودا في الاحتفال الذي حضره الملحن بليغ حمدي، وأن وجدي الحكيم كان حاضرا هذا الاحتفال كمسؤول في الإذاعة المصرية، فإذا بالسادات ينادي بليغ ويقول له: عاوز أسمعك مع النقشبندي وكلف وجدي الحكيم بفتح استوديو الإذاعة لهما.


بعدها تحدث وجدي الحكيم مع النقشبندي فقال له النقشبندي: ماينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة، حيث كان النقشبندي قد تعود على الابتهال دون موسيقى، وكان اعتقاد الشيخ أن اللحن يفسد حالة الخشوع التي تصاحب الابتهال، وقال: على آخر الزمن يا وجدي هاغني!! وطلب منه الاعتذار لبليغ، وطلب وجدي الحكيم من النقشبندي أن يستمع إلى اللحن الذي أعده بليغ واصطحبه إلى استوديو الإذاعة واتفق معه على أن يتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة ثم يعود، وأن تكون بينهما إشارة يعرف من خلالها إن كانت ألحان بليغ أعجبته أم لا!!


واتفقا أن يدخل عليهما وجدي الحكيم بعد نصف ساعة، فإذا وجد النقشبندي خلع عمامته، فهذا يعني أنه أعجب بألحان بليغ، وأن وجده مازال يرتديها فيعني ذلك أنها لم تعجبه، ويتحجج بأن هناك عطلاً في الاستوديو لإنهاء اللقاء، بعد نصف ساعة دخل وجدي الحكيم عليهما، فإذا بالنقشبندي قد خلع العمامة والجبة والقفطان وقال لوجدي الحكيم: يا وجدي بليغ ده جِنّ، وانتهى اللقاء بتلحين بليغ "مولاي إني ببابك"، التي كانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندي أسفر بعد ذلك عن أعمال  وابتهالات عديدة مثل أشرق المعصوم - أقول إمتي - أي سلوى وعزاء - أنغام الروح - رباه يا من أناجي - ربنا إنا جنودك - يا ليلة في الدهر / ليلة القدر - دار الأرقم - أخوة الحق - أيها الساهر - ذكرى بدر.


ولكن من هو الشيخ سيد النقشبندي ذو الاسم ذائع الصيت وملء السمع؟!



الشيخ سيد محمد النقشبندي أستاذ المداحين وصاحب مدرسة متميزة في الابتهالات أحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني، يتمتع بصوت يراه الموسيقيون أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.


كلمة ( نقشبندي ) مكونة من مقطعين هما (نقش) و(بندي) ومعناها في اللغة العربية القلب أي نقش حب الله على القلب، والنقشبندي نسبة إلى فرقة من الصوفية يعرفون بالنقشبندية، ونسبهم إلى شيخهم بهاء الدين نقشبند.


صوت النقشبندي الأخاذ والقوي المتميز طالما هز المشاعر والوجدان، وكان أحد أهم ملامح شهر رمضان، حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال الإفطار بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتسمو معه مشاعر المسلمين، هو واحد من أبرز من ابتهلوا وأنشدوا التواشيح الدينية في القرن الماضي.


ولد النقشبندي بقرية "دميرة" بمحافظة الدقهلية في مصر عام 1920 حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد خليل، قبل أن يستكمل عامه الثامن، وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية، جد الشيخ سيد هو محمد بهاء الدين النقشبندي الذي نزح من بخارة بولاية أذربيجان إلى مصر للالتحاق بالأزهر الشريف ووالده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية.


في عام 1955 استقر في مدينة طنطا وذاعت شهرته في محافظات مصر والدول العربية، وسافر إلى حلب وحماة لإحياء الليالي الدينية بدعوة من الرئيس السوري حافظ الأسد، كما زار أبو ظبي والأردن واليمن وأندونيسيا والمغرب العربي ودول الخليج ومعظم الدول الأفريقية والآسيوية.


في عام 1966 كان الشيخ النقشبندي بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة والتقى مصادفةً بالإذاعي أحمد فراج فسجل معه بعض التسجيلات لبرنامج في رحاب الله، توالت بعدها التسجيلات الإذاعية للأدعية الدينية منها برنامج "دعاء" الذي كان يذاع يوميا عقب آذان المغرب.



وصف الدكتور مصطفى محمود في برنامج "العلم والإيمان" الشيخ سيد النقشبندي بقوله إنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد، فقد أجمع خبراء الأصوات على أن صوت الشيخ الجليل من أعذب الأصوات التي قدمت الدعاء الديني، فصوته مكون من ثماني طبقات، وكان يقول الجواب وجواب الجواب وجواب جواب الجواب وصوته يتأرجح ما بين الميترو سوبرانو والسوبرانو.


توفي الشيخ سيد النقشبندي إثر نوبة قلبية في سنة 1976، كرمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1979 بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى وذلك بعد وفاته، كما كرمه الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1989 بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، كرمته محافظة الغربية التي عاش فيها ودفن بها، حيث أطلقت اسمه على أكبر شوارع طنطا والممتد من ميدان المحطة حتى ميدان الساعة.