لماذا لا تستحق "السعادة" أن تكون هدفنا في الحياة؟
لطالما اهتمت البشرية بالبحث عن السعادة، ويستمر الإنسان في سعيه نحو السعادة بشكل يجعله أقرب لمن يركض خلف هدف متحرك، ورغم ذلك، قدمت الأديان والعقائد والفلسفات عبر العصور، تعاليم ونصائح للوصول للسعادة في الحياة، أو بعد الموت، وفي العصر الحديث تتصاعد أهمية البحث عن السعادة في الثقافة الشعبية، ما يدفع الباحثين والعلماء لمحاولات مستمرة لدراستها، فيما أصبح البعض ينظر للسعادة باعتبارها الهدف الأسمى والأوحد الذي يجب أن يسعى إليه الإنسان.
مصدر السعادة
قد يعتبر الكثيرون أن هناك من يعيش على قمم من السعادة، فيما يولد آخرون في غيابات البؤس، ولكن العديد من الدراسات تنفي وجود رابط بين السعادة، والمال الوفير أو الشهرة أو الوسامة، أو حتى النجاح الوظيفي، فقد يتوفر للبعض ما يعتبر "أسبابا للسعادة"، دون أن يقيه ذلك من الشعور بالضيق والإحباط وانعدام الرغبة في الحياة، ولذلك يرى الكثيرون أن سر السعادة يكمن في "منظور" الإنسان للحياة، فقد يعيش ثري في حزن وتعاسة لأنه يتطلع للسعادة في أمور أخرى، وقد يشعر فقير أو مريض بالرضا والسكينة رغم ما يعيش فيه من ظروف قاسية.
ولكن لأن شعورنا ليس مجرد أمور معنوية وحسية، بل هو انعكاس لتوازنات كيمياء المخ، التي تؤثر في تصرفاتنا وحالتنا المزاجية، أثبتت أبحاث علمية وجود "عوامل وراثية" للشعور بالسعادة، أو الإحساس بالحزن والإصابة بالاكتئاب، وأن نحو 50% من عوامل سعادة الإنسان تكمن في حمضه النووي، ما قد يعيدنا للنقطة الأولى حول ما إذا كان الإنسان يولد "سعيدا" أو "حزينا".
الجانب المظلم للسعادة
تقول الباحثة "جون جروبر"، أن هناك بعض العوامل التي قد يرغب الإنسان في التفكير فيها، لمعرفة ما إذا كانت السعادة دائما "أمر جيد"، حيث يقول أرسطو "يمكن للجميع أن يشعروا بالغضب أو الحزن، ولكن القليل من يستطيعون فعل ذلك بالكم المناسب، وبالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب"، فإن ذلك يدفعنا لتطبيق 3 مقاييس على السعادة، كما طبقها أرسطو على الحزن والغضب، وهي الكم والوقت والطريقة.
الكم... ما هو مستوى السعادة المناسب؟
لا شك أن للشعور بالسعادة أثر إيجابي على صحة الإنسان النفسية والجسدية، ولكن الدراسات أظهرت أن المستويات العالية من السعادة قد تحمل معها أضرارا على الإنسان، حيث تقل القدرات الإبداعية، فيما يزداد تهور الإنسان وإقباله على المخاطر، كما تزيد احتماليات الإدمان على الخمور والمخدرات، والإصابة بالأمراض العقلية.
الوقت... متى تكون السعادة ضارة؟
هل تحتاج للشعور بالسعادة في كل الأوقات، حتى لو كنت تخوض غمار مسابقة كبيرة أو منافسة شرسة، على الأرجح لا، وتدعم الأبحاث ذلك بإظهارها أن هؤلاء الأكثر قابلية للفوز في هذه الظروف هم الأكثر شعورا بالغضب، كما تظهر أن هؤلاء الذين يشعرون بالسعادة في كل الأوقات، بغض النظر عن الظروف المحيطة، هم أقل كفاءة في حياتهم العملية، وأقرب للعجز العاطفي.
الطريقة... البحث عن السعادة يبعدك كثيرا عنها!
هؤلاء الأكثر بحثا عن السعادة، يضعون لها معايير عالية، وعادة ما ينتهي بهم الحال أكثر إحباطا لعدم قدرتهم على تحقيق هذه الأهداف العالية التي رسموها كمفهومهم عن السعادة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب أو الهوس.
وتذكرنا الباحثة "جون جروبر" بمقولة الفيلسوف "جون ستيوارت مل"،
"السعداء هم من تركز عقولهم على أهداف أخرى، غير سعادتهم".
الخلاصة
لا يجب أن ننظر لهذه الأفكار باعتبارها تحض على كراهية السعادة، كما لا يجب أن نتجاهل تلك الجوانب المظلمة في محاولتنا للبحث عن السعادة، عملا بمبدأ "هو حد لاقي سعادة ؟!"، لأنه ربما ينبغي علينا أن نتذكر، ونحن نعيش في عالم يبدو يائسا في سعيه للسعادة، أن السعادة ينبغي لنا التعامل معها بحرص، وأن نتذكر أن حالتنا قد تكون أفضل كثيرا، بالتركيز على العديد من الأهداف الحياتية، ما قد يساعدنا في الوصول لحالة من التوازن والرضا.. والسعادة.
لا تبحث عن السعادة .. إذا أردت أن تصل إليها