المرأة ومجتمعاتنا العربية (4)
في العصر الفرعوني لبست المرأة الأساور والخلاخيل والأقراط، وتجمّلت بالكحل، واستخدمت الدهون والعطور، ولبست الباروكة، وتعلمت القراءة، وتذوقت الأدب، واشتركت في القضاء وشئون الوزارة، شاركت نفرتيتي أخناتون حياة الفلسفة والدين، لم تكن المرأة تخجل بإعلان حبها أمام الناس، كانت تزور معارفها، وكان لها حق طلب الطلاق إن أساء زوجها معاملتها كما اشتهر رمسيس الثالث بحفظ كرامة النساء.
وكان الزواج بواحدة، ماعدا للملوك والمترفين، ودعا القدماء للزواج المبكر لحفظ المرأة من الدنس، واستخدموا وسائل منع الحمل، كما مارست المرأة صناعة الغزل والنسيج، وصناعة السجاجيد، كما كانت ترافق زوجها في رحلات الصيد، ومارست المرأة السباحة والألعاب البهلوانية ويعتقد بعض علماء الآثار المصرية مثل (أرمان)، (ودوريه)، (وبرستد) أن الابن الشرعي كان يُنسب إلى أمه أكثر مما يُنسب إلى أبيه في معظم الأحوال، وهذا يدل على سيادة الأمومة في نسب الأبناء، وهي امتداد للعصر الذي كان يُعد فيه نسب الأم أقوى من نسب الأب.
كما كان للمرأة حق الملكية والبيع والشراء، وأداء الشهادة في المحاكم، وكانت تتساوى مع الرجل في الميراث في عصر الدولة الوسطى سنة 2640 ق.م وكانت كبرى البنات هي التي ترث.
وفي محاضرة بعنوان "المرأة والصراع الثقافي في مصر" يقول المستشار الدكتور فتحي نجيب الذي كان رئيساً للمحكمة الدستورية العليا بمصر: "واللافت للانتباه أن المصريين قد جعلوا للعدالة إلهة أنثى، بل إن أساس العقيدة المصرية هي الإلهة إيزيس. أما اللافت للانتباه أكثر من ذلك هو عقد الزواج المصري القديم، حيث كان العقد يقوم على المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، إذ كان ينص على أن من يريد الانفصال عن الآخر عليه أن يعطيه من ماله سواء كان رجلاً أو امرأة. وهذا هو ما يحدث الآن في عقد الزواج وفي العلاقات الزوجية في المجتمعات المتقدمة، ومع كل هذا التميز للحضارة المصرية القديمة في شأن وضع المرأة، إلا أننا نحيا في مناخ ثقافي آخر هو الثقافة العربية، فنحن نعيش اليوم في ظلها سواء كنا مسلمين أو أقباط، فالواقع الاقتصادي في الجزيرة العربية متباين عن الواقع الاقتصادي في مصر القديمة، فالعرب عدة قبائل، وكل قبيلة تُغير على قبيلة أخرى لتأخذ ممتلكاتها، ولهذا لم تكن للمرأة مكانة مساوية للرجل لأنه لم يكن لها دور في هذه الإغارة، وفي ظل هذا الوضع نشأت مفاهيم معينة دارت على النظرة الدونية إلى المرأة، وهي أنها موضع استمتاع من الرجل، وترتب على ذلك تأسيس أنظمة تحمل هذا المعنى". انتهى الاقتباس من المستشار فتحي نجيب.
لقد تبوأت المرأة مكانة مرموقة في مصر الفرعونية التي تغنى بحبها كل المصريين، هذه هي مكانة مصر ومكانة المرأة المصرية في أقدم العصور، حيث كان الظلام يسود العالم بينما ينبثق نور العلم والحضارة، فقد ارتفع عقل مصر وارتفع قلب مصر في الجيزة في تلك الأهرامات الخالدة، ليشهد العالم على مجد وحضارة أم التاريخ البشري كله، والتي يعود إليها الفضل في تقدم وتطور العالم كله، فقد انبثق نورها ووصل إلى كل بقاع الدنيا، ووقف العالم مذهولاً أمام تلك الحضارة العميقة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.
وكيف لا يكون هذا هو وضع حواء ومكانتها في أرض الحرية والحضارة والمجد القديم، ولماذا لا يرتبط بالحاضر؟ ولماذا لا تعلو مكانة حواء في مصر الآن؟ لتعود لأمجادها مثلما كانت في الماضي البعيد، ونحن أحفاد الأجداد نفخر بكل ما صنعه أجدادنا في أعماق التاريخ قرابة سبعة آلاف سنة, فلماذا لا نكون خير خلف لخير سلف؟ ولماذا لا يتكرر ظهور الشخصيات النسائية العظيمة أمثال حتشبسوت، ونفرتيتي، ونفرتاري، وكيلوباترا، وشجرة الدر، وغيرها من السيدات المصريات اللائي دخلن التاريخ من أوسع أبوابه، وكتبن فيه أنصع الصفحات. فلعلنا نأخذ من تاريخنا درساً.
إن ما يحدث على الساحة الفكرية والثقافية اليوم من انتشار لأفكار رجعية تنادي بعودة المرأة للبيت، أو بأنها لا تصلح لأن تكون قاضية أو رئيسة جمهورية، وغيرها من مثل هذه الأفكار التي يرددها البعض بين الحين والآخر، والتي كانت تتردد منذ قرون خلت وقد عفا عليها الزمن منذ زمن, كل هذا يجعلنا نتساءل: من الذي غير أفكار المصريين تجاه المرأة؟!!، هل لنا أن نجيب بشجاعة : من الذي سرق عقل مصر؟!!!
أعتقد أن شجاعة الإجابة عن السؤال السابق قد تنقذنا مما نحن فيه من انحطاط وهوان.