أحمد زكي.. وحديث عن فلسطين والراقصة دينا
الألم النفسي قد يدخلك في عزلة، ربما تجعلك مبدعا، لأن الفراغ الاجتماعي من حولك، يصفي ذهنك من توافه الأمور التي قد يفرضها الآخرون، لتملك الجزء الأكبر من حياتك دون مشاركة أحد، فيصبح لديك الوقت للتأمل في الأشياء واكتشافها بنفسك، دون أن يملي عليك أحدا آرائه، فيقتل داخل عقلك ملكة التفكير، والتوحد مع الشئ الذي تتأمله.
أعتقد أن عبقرية الفنان أحمد زكي، لها أسباب كثيرة. موهبة فطرية، ذكاء، إصرار، عزيمة، ، ، تفسيرات قد تذكر، لكنك قد تجدها في فنانين كثيرين، لكن أحمد زكي، حصل على فرصة للتدريب على التأمل لم تمنح لغيره فكان الاختلاف، وذلك بسبب الألم النفسي والفراغ؛ فاليتم الذي عانى منه منذ أن كان رضيعا، بوفاة أبيه ثم زواج أمه، وتربيته في بيت جده، وباقي بيوت العائلة، جعله متألما منعزلا عن الدنيا، مراقب لها من بعيد، هناك في الزقازيق، حيث حياة الخمسينيات والستينيات الهادئة، البعيدة عن صخب القاهرة.
وحين جاء إلى العاصمة في بداية السبعينيات لدراسة التمثيل في معهد الفنون المسرحية، كان منعزلا أيضا، فالمجتمع والعادات والتقاليد ليست هي التي في الزقازيق، لدرجة أنه كان يبذل أغلب جهده في التدريب على التواصل مع زملاءه – كما كان يقول- كل ذلك خلق إنسانا يجيد التأمل في الشخصيات التي يؤديها وفلسفتها، لدرجة التوحد معها، فقدم لنا عبقرياته السينمائية، الغنية عن التذكير بها.
بطبعي أنفر من المتمسحين في نجوم الفن، وقابلت أكثر الفنانين شهرة. ولم أكن حريصا أبدا على التقاط صور معهم، بل أهرب من هذا الأمر أحيانا، لا أدري هل هي عقدة نقص، أحاول التعالي على المتعالين لأثبت لنفسي أنهم ليسوا أفضل مني، أم لأنهم بالفعل ظاهرة مصطنعة وأغلبهم لا يحمل بداخله فنان حقيقي له فلسفة، تشعرك بأن ما ينطق به في أعماله ليس مجرد كلام قد حفظه... لا أدري ما السبب بالضبط، ولكن ما أعرفه أنني كنت أتمنى لو قابلت أحمد زكي، وأجريت معه حوارا، والتقطت معه مجموعة من الصور، التي بالتأكيد كنت سأعتز بها، لكنه مات في مثل هذا اليوم 27 مارس من عام 2005، وحينها كنت صحفيا صغيرا، ولا أعمل في الصحافة الفنية، كي تلوح لي الفرصة لأقابله.
اليوم، سأجري حوارا مرتجلا "دردشة" مع أحمد زكي، كنت أتمنى أن يكون موسعا، ولكن للأسف هذه السلسلة من المقالات تجبرني على محاورته حول ما جرى في مثل يوم وفاته.
كعادته، جلس أحمد زكي على كرسي من الخرزان مضجعا إلى حد ما، وأمامه علبة سجائر "كليوباترا سوبر" ووضع ساقا على ساق، وبدأ يستمع لي، فقلت له: أنت أبرع من نجح في تجسيد أدوار المشاهير، لدرجة أن الشعبيين من الناس، أصبحوا يتناولون شخصية الرئيس أنور السادات من خلالك، حتى أن البعض قال "إن الرئيس السادات هو الذي قلدك وليس العكس"، فما رأيك في تقليد السوفيتي يوري جاجرين، أول إنسان يسافر إلى الفضاء الكوني، والذي توفي في مثل هذا اليوم من عام 1968؟
يضحك بحياء، وينظر إلى المنضدة، ويقول لي: معرفتي عنه لا تتجاوز معرفتك، لم تتح لي فرص لتأمله أو أفكر في تقديم عمل عنه.
هل تعرف أن الراقصة دينا، تحتفل بعيد ميلادها في يوم وفاتك، لأنها ولدت في 27 مارس من عام 1965؟
دينا عملت معي في فيلم استاكوزا، وأعرف أنها ولدت في روما، وحاصلة على درجة الماجستير في الفلسفة، وهي شقيقة المغنية المعتزلة "ريتا"، وبدأت شهرتها في تسعينات القرن العشرين وكانت بدايتها مع الرقص في المرحلة الثانوية، وأعتقد أنها صنعت لنفسها مكانا داخل عالم الراقصات.
أتعرف أن" 27 مارس" يوم رحيلك ملئ بالأحداث السياسية الصاخبة؟
احكيلي.
في مثل هذا اليوم من عام 2009، قرر العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، تعيين وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة لمنصبه، وفي نفس اليوم من عام 2014، قرر الملك عبدالله، تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود، وليا لولي عهد المملكة.
ههههههه يضحك أحمد زكي ويقول: يبدو أن وفاتي لها تأثير فلكي على السعودية؟
أتعرف أن هذا اليوم من عام 2002 أعلن فيه الملك عبدالله، الذي كان وقتها وليا لعهد السعودية، مبادرة للسلام بين العرب والإسرائيليين، تقضي باعتراف كل الدول العربية بإسرائيل، بشرط انسحابها من الأراضي المحتلة حتى حدود 4 يونيو 1967؟
آه من فلسطين.. دي جرحنا كلنا… صحيح لم يكن لي نشاط سياسي بارز ولكن علاقتي بالقضية كانت متينة، هل تعلم أني زرت فصائل المقاومة الفلسطينية، تعبيرا عن دعمي لهم، وفي مرضي الأخير زارني وفد من حركة حماس بالمستشفى، كان على رأسه فيما أذكر، عضو المكتب السياسي، محمد نزال.
بمناسبة فلسطين، دعني أذكرك أن في مثل هذا اليوم من عام 2002 أعلنت الولايات المتحدة، كتائب شهداء الأقصى " الذراع العسكري لحركة فتح" منظمة إرهابية. وفي نفس اليوم من عام 2001 استخدمت واشنطن حق الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن، يدعو لإرسال مراقبين دوليين إلى فلسطين، لرصد الانتهاكات التي كانت تجري هناك إبان الانتفاضة التي اندلعت عام 2000.
يبدو أن ذكرى موتي تمثل ذكرى حزينة على الفلسطينيين؟
بل علينا جميعا يا أستاذ، حتى في مصر؛ ففي مثل هذا اليوم من عام 1979، قرر وزراء الخارجية العرب، المجتمعين في بغداد، مقاطعة مصر وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، وقطع الخطوط الجوية مع القاهرة؛ احتجاجا على معاهدة السلام التي وقعها الرئيس أنور السادات مع إسرائيل.
ما أكثر الآلام في تاريخنا، دعني نائما، وواجه دنياك، المهم دائما ركز على أن تترك أثرا طيبا فيها، ولا تغادرها إلا وقد أعطيتها شيئا.