صور| "الألدرادو".. 100 عام استبدلت صوت عبد الوهاب بنباح الكلاب
دلفت عبر الباب الخلفي إلى ظلام دامس ونباح كلاب تتعالى أصواتهم، كان قلبي يخفق بقوة، وكنت أشعر بالخوف، لكن سرعان ما تعودت عيني على بصيص النور القادم من أحد النوافذ لشعاع شمس.
تجلت أمام عيني لوحة فنان كساها الغبار والأهمال والرأسمالية، صالة رائعة مازالت تحتفظ بطراز معماري فريد، بدا المكان بما فيه من زخارف والبنوار كأنك في الأوبرا المصرية القديمة، وكأنه مسرح مثلت فوقه للتو إحدى تلك المسرحيات الفريدة التي تملؤك بالفضول والشعور بالذنب، كيف لم يتم استغلال هذا المكان لأكثر من 40 عاما.
أعادني المبنى المهجور إلى روايات والدي عن أيام طفولته وشبابه التي قضاها في سينما ومسرح "الأولدرادو" وعظمة المكان والزخارف التي تزين جدرانه وأناقة مرتاديه، لكنه لم يخطر ببالي أن هذا المكان مازال موجودا.
لكن والدي وصف لي الطريق فتوجهت؛ لأبحث عنه بحي الأفرنج، ففاجأني ما وجدته مبنى قديم من الخارج تجده مبنى متهالك لكونه مزيج من الخشب والخرسانة، إلى أنني دلفت خلسة، حيث يكمن مسرح وسينما الألدرادو لأجدها تحولت إلى مكان مهجور مقسوم قسمين على اليمين مكان لتربية الكلاب فقد اتخذها من أدعى أنه مالك للعقار مكانا ليربي فيه بعض الكلاب التي يتاجر بها ويحقق منها مكسبا وفيرا، وعلى اليسار صالة يستأجرها المدرسون للدروس الخصوصية.
قال ضياء القاضي المؤرخ البورسعيدي، إن "جريجوارسوليدس" افتتح مسرح وتياترو "الألدورادو" أعلى محلات الميكادو، وفي يونيو 1896 تم تعديل ديكوراته وافتتح بمسرحيتي ترافياتا وتريفاتور، ثم ألحق به سينما، وقد انتقلت سينما ومسرح الألدورادو لليوناني مريكوبولوس، حيث تم بنائها على طراز الأوبرا المصرية القديمة في القرن التاسع عشر.
وأضاف في تصريح خاص لـ"دوت مصر"، أن مسرح "الألدرادو" كان يؤدى عليه مسرحيات الدراما والكوميديا والأوبريتات لكبار الفنانين وأدى عليه نجيب الريحاني روايته "الشايب لما يتدلع" عليه، كما استضاف "الألدرادوا" مسرحيات الكاتب العالمي موليير "مريض الوهم"، و"البخيل والمتزحلقات "التي قدمتها فرقة "زكي طليمات" وشهد مسرحيات لـ"ماري منيب" ويوسف بك وهبي كما غنى عليه الموسيقار عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وقدمت الفرق الأجنبية مارجريتا والليرا والإنترناسونال والفرقة اليونانية عروضا متعددة عليه.
وأوضح لي والدي "وصفى موسى" أن سينما "الألدرادو" كانت أضاءتها قوية وبها بنوار على هيئة الأوبرا المصرية القديمة ويضم البنوار "50" لوج مقسمة إلى دورين قسم يعلو الآخر.
وكانت صالة "الألدرادوا" بها "400" كرسي لوج والمقاعد كانت فوتيلات مكسوة بالجلد والحوائط تزينها لوحات زيتية لمناظر طبيعية، كما كان بها أحدث آله للعرض السينمائي في ذلك الوقت.
واستنكر ما حدث في السبعينيات من تحويل "الألدرادو" إلى مخزن تابع لشركة "عداس" وبعدها "عمرو أفندي" عقب تحول بورسعيد إلى منطقة حرة.
وقال الدكتور سامح الجباس، أحد أدباء بورسعيد إن مسرح "الألدرادو" هو من أدخل أول جهاز سينمائي في بورسعيد علي يد جريجوار سوليدس عام 1908 وعرض من خلاله أفلاما متعددة وكان يضاهي الأوبرا المصرية.
ولفت الجباس في تصريحات خاصة لـ"دوت مصر"، إلى أن فرقة الرقص الفرنسية "أكسنيلو" بمشاركة جمعية الأليانس فرانسيز قدمت عرض راقص على مسرح الألدرادو المهجور عام 2012 لإحياء ذكراه.
وطالب الجباس بإعادة إحياء تراث بورسعيد والمتمثل في عدد من دور العرض المغلقة الآن، ومنها سينما الأهلي وسينما الشرق وتطوير سينما ريو والتى تحمل تاريخا وفنا حضاريا ومعماريا.
وقال الفنان حمدي الوزير، إن دور السينما ببورسعيد كانت تحاكي دور العرض العالمية بلندن وباريس فكانت تتميز بطرازها الفريد وأناقتها فضلا عن مرتاديها فنجد من كبار الفنانين والأدباء ورجال الحكم والجالية الأجنبية.
وأضاف الوزير في تصريح خاص لـ"دوت مصر"، اندثرت دور العرض السينمائي ببورسعيد ذات الطراز المعماري الإنجليزى والفرنسي والتي كانت تبلغ 15 سينما، وأشهرها سينما "الأدرادوا"، ماجيستيك، أمبير، الحرية، فريال، ريفولي، ديانا، كوزموغراف، عيسي، الكورسال، الشرق الصيفي، ريالتو،الأهلي، سينما فاميليا، بورفؤاد فبورسعيد هي ثالث مدينة تقام على أرضها دور للعرض السينمائي في بداية القرن التاسع عشر.
واستنكر الوزير ما فعله الانفتاح الاقتصادي بتلك السينمات الفخمة فقد تحولت إلى مولات تجارية، لافتا إلى أنه هناك محاولات من أبناء بورسعيد من المثقفين والفنانين لإعادة إحياء المكان إلا أنه في قبضة أحد أباطرة رأسمال ببورسعيد الآن.