فيديو| "نظرة الصمت".. دموع القتلة والضحايا واحدة
"لم أرك منذ زمن بعيد .. مازلت أراك في أحلامي.. ليتني أستطيع أن أراك .. عذبوك و ألقوا بك في النهر، ولم يتبق منك سوى العظام"، كلمات يملؤها الشجن رددتها والدة "راملي" الشاب، الذي تدور جميع أحداث فيلم "نظرة الصمت" عنه، وعُرض أمس بسينما زاوية، في السادسة والنصف مساء، ضمن فعاليات مهرجان "دي كاف" للفنون المعاصرة، في نسخته الرابعة.
يبدأ الفيلم بمشهد ليلي تملؤه الأنوار الصفراء، وعربات الترحيلات الحكومية تمر على المنازل، للقبض على الشيوعيين، وإلقائهم في السجون، وتعذيبهم، ثم ذبحهم والتخلص من جثثهم في نهر "سنيك"، لحماية الوطن.
وتتحدث الأم إلى ابنها الذي تمت تصفيته خلال عمليات القتل السياسي المنظم لنحو مليون شخص في إندونيسيا، طوال 3 أعوام، بالتزامن مع حملة اعتقالات ضخمة، أدت بمئات الآلاف للسجون بين عامي 1965 و1968: "أبوك أصبح كسيحا، وتساقطت أسنانه واحدة تلو الأخرى بعد قتلك، ولم يعد يرى أو يسمع جيدا".
وجاء بعد"راملي" طفل آخر للعائلة، وبعد أن اصبح شابا لديه زوجة وطفلان، قرر البحث عن حقيقة ما حدث، ولماذا قُتل الشيوعيون بهذه الطريقة، بإجراء مقابلات مع "القتلة"، والتسجيل معهم، من خلال مصور ساعدهم قديما على توثيق ما فعلوه، في تلك المرحلة من الحكم الديكتاتوري، على حد وصف الفيلم. "صرخة الشيوعيين وتوسلهم كانت تُخيف رجالا"، هكذا قال أحد قادة كتائب قتل الشيوعيين الشعبية.
تمرد تُسجن
ويحصل أبناء شقيق "راملي" على الكثير من المعلومات الخاطئة، من وجهة نظر الفيلم، في المدارس، وهو ما ظهر جليا في أحد المشاهد داخل فصل مدرسي حيث يقول المعلم للتلاميذ:"الشيوعيون متوحشون .. وإن تمردت على الدولة تُسجن".
الناجون
"السلام والتحية على كل من يرقدون عند النهر من الضحايا، ونطلب من الله أن ينتقم ممن آذى أصدقاءنا وأُسرنا"، هكذا دعا أحد الناجين من مجزرة قتل الشيوعيين، في خوف، وهو يسير مع شقيق "راملي" عند نهر "سنيك"، الذي شهد تلك الأحداث، إلا أن الناجي كان يصر على أن الماضي قد ذهب وأن الجميع يعيشون سويا الآن "القتلة وأسر الضحايا و الناجون".
القتلة
عرض الفيلم العديد من المشاهد لقادة فرق القتل الشعبية، الذين أكدوا أن الأمر كان بعلم الجيش في إندونسيا، وأنه هو من منحهم سلطة قتل الشيوعيين وقتها، حتى لا يقال إن الجيش يقتل شعبه.
وكان القتلة يرون أنفسهم طوال الوقت أبطالا، وهو ما أكدته أحداث الفيلم ، وتعجب منه شقيق راملي في جميع لقاءاته معهم، ومن مقولاتهم: "الشيوعيون لا حول لهم ولا قوة معنا، فنحن الحركات الشعبية - لو لم نشرب دماء ضحايانا لفقدنا صوابنا". ولكن بمجرد معرفتهم أنهم أمام أحد أًُسر الضحايا يتبدل الأمر من القوة إلى الخوف والضعف وطلب العفو، ويقولون إن الماضي ذهب ولن يعود، وتلك هي السياسة.
أبناء القتلة
قابل شقيق "راملي" أيضا أسرة قائدة كتيبة القتل، وتحدثوا معه بأريحية، وفخر عن تاريخ والدهم الراحل، لكن ما إن عرفوا أنه شقيق ضحية قتلها والدهم، حتى تبدل الأمر إلى خوف وإنكار معرفتهم بأي شيء، وظلوا يرددون: "هل تريد الانتقام؟ لم نكن نعرف شيئا، كنا صغارا، أبناء القاتل لا ذنب لهم"، وابنة قاتل آخر قالت لشقيق راملي في خوف وعيونها ممتلئة بالدموع "اغفر لأبي و اعتبرنا أسرتك".
السمك
عقب تلك المجازر، رفض أهل البلاد أكل السمك أو المحار، التي تأتي من نهر "سنيك"، لما ابتلعه من لحوم القتلى ودمائهم، ولاعتقادهم أن السمك تغذّى على البشر، ما تسبب في كساد كبير لمن يعملون فى تلك التجارة.
دعوة للسلام
فيلم "نظرة الصمت "دعوة للسلام بين القتلة والضحايا، لتجاوز الماضي والمضي قدما في الحياة، لكن نهايته مع ذلك جاءت صادمة للبعض وغير متوقعة، لأن شقيق "راملي" لم يفعل شيئا سوى توثيق الأمر، وتعجب بعضهم من هدوئه أمام قتلة أخيه.
النهاية
كان المشهد الأخير للفيلم هو نفس مشهد البداية، عربات الترحيلات تأتي في الليل لأخذ الشيوعيين وإلقائهم في السجون، لتعذيبهم ثم قتلهم من أجل حماية الوطن.