التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:57 م , بتوقيت القاهرة

جودار ولينش وكروننبرج وآلان وممثلوهم

ضمن منشورات المركز القومي للترجمة، صدر مؤخرا كتاب شديد الأهمية بعنوان "محاضرات في الإخراج السينمائي"، إعداد وتحرير لوران تيرار وترجمة محسن ويفي. الكتاب يضم 21 مقابلة مختارة، أجراها الناقد والمخرج الفرنسي مع كبار مخرجي العالم لحساب مجلة "استوديو"، يسألهم فيها مجموعة محددة من الأسئلة، حول مصدر أفلامهم وطريقتهم في التصوير والتعامل مع الممثلين، وغيرها من الموضوعات التي يجيب عنها مخرجون بحجم جان لوك جودار وإمير كوستوريتسا ومارتن سكورسيزي ووانج كار واي.


كل حوار على حدة مفيد في إلقاء الضوء على أسلوب المخرج وطريقة تفكيره في السينما، لكن تجاور هذه الحوارات يمنح الأمر بعدا مختلفا، فيه نظرة أعم على طرق وأفكار بعضها يقف على طرفي نقيض، بين مخرج يحضر كل لقطاته قبل الذهاب للتصوير وآخر يذهب بذهن خال ليقرر في الموقع، وبين مخرج يصور اللقطة من زاوية واحدة وآخر يغطي نفسه بأكثر من زاوية.


في النهاية كل المتحدثين تقريبا مخرجون عظام صنعوا أفلاما ممتازة، وهو ما يؤكد الحقيقة الوحيدة في الفن: ليس هناك حقائق على الإطلاق، لا توجد طريقة مثلى لصنع أي شيء، هناك فقط الموهبة والحدس والروح الخاصة بكل مبدع.


ومن بين الموضوعات العديدة والإجابات المتنوعة، اخترت أربعة اقتباسات لحديث أربعة مخرجين كبار عن الممثلين، كيف يتعاملون معهم وما رأيهم في علاقة المخرج بالممثل. جودار ولينش وكروننبرج وآلان يتحدثون.


دافيد كروننبرج



"في البداية كنت أرى الممثلين كخصوم لأنّي أشعر أنهم لا يتفهمون الضغط الذي يمارس علىّ. كنت قلقا بشأن محاولتي صنع الفيلم في وقته المحدد وداخل ميزانية، وبدا أن كل ما يقلقهم هو شعرهم وماكياجهم وملابسهم. وبدت كل هذه الأشياء تافهة بالنسبة لي بالطبع. لكن بمرور الوقت أدركت أنني مخطئ. هذه الأشياء هي كل أدواتهم، هي بنفس أهمية الكاميرا والإضاءة لي.


بالنسبة لمخرج، الأدوات هي كل شيء في الفيلم. ولكن بالنسبة لممثل، فكل شيء يدور حول الشخصية، وبالتالي فهم ليسوا تماما على نفس الموجة، إنهم ليسوا تماما في نفس الواقع، لكن إذا تواصل الممثلون والمخرج فإنهم يستطيعون التحرك في نفس الاتجاه معا. سيحاول أغلب المخرجين الشبان تجاوز تلك المشكلة عن طريق الكذب على الممثلين. أعرف أن ذلك يحدث ولكنني لم أفعل ذلك. وبمرور الوقت، تُدرك أنك لو كنت أمينا، فإن الممثلين لن يكونوا فقط سعداء لمساعدتك في حل مشاكلك، بل إنهم يصنعون وصلة لتحقيق ذلك".


جان لوك جودار



"هذه الأيام أشعر بالمزيد من المشاكل في العثور على أشخاص أتبادل معهم الأفكار. الناس الذين أعمل معهم يبدون غير مبالين، لا يبدو عليهم أنهم يسألون أنفسهم أسئلة كثيرة، وبالتأكيد هم لا يسألوني أية أسئلة.


في أحد أفلامي الأخيرة مثلا، تقول واحدة من الممثلات السطر التالي: الأداء يقتل النص. هذا كلام مارجريت دورا الذي لا أوافق عليه بالضرورة، وقد وضعته في الفيلم على هيئة سؤال أكثر من كونه صيغة تقريرية. ومع ذلك ما فاجأني بالفعل أن الممثلة الشابة التي نطقت بهذه الجملة لم تسألني أبدا ماذا تعني الجملة أو لماذا طلبت منها أن تقولها.


إنني أواجه مزيدا ومزيدا من المشاكل في العثور على أناس مغرمين بالفعل بصنع الأفلام. والوحيد الذي مازلت أُجري معه نوعا من الحوار هو المنتج، لأن لديه اهتمام واضح بالفيلم. ربما يكون اهتماما ماديا، لكنّه أفضل من لا شيء. يشعرني معظم الآخرين أنني مثل فتاة القرية غير الشرعية، أنت تعرف تلك الفتاة التي يضاجعها كل الأولاد الشبان ثم يتباهون بذلك".


دافيد لينش



"أعتقد أن أفضل حركة في كل أفلامي هي في مشهد من الرجل الفيل "The Elephant  Man". عندما تكتشف الشخصية التي يؤديها أنتوني هوبكنز الرجل الفيل لأول مرة، فتتحرك الكاميرا قريبا كي ترى رد الفعل على وجهه. أتحدث عن التكنيك، الحركة كانت رائعة جدا، ولكن أيضا ما إن تتوقف الكاميرا أمام وجه هوبكنز تماما، يبكي دموعا. هذا لم يكن مخططا له على الإطلاق، إنها فقط واحدة من الأشياء السحرية التي تحدث في مواقع التصوير الفيلم. ومع أنها كانت اللقطة الأولى، عندما شاهدت ذلك، قررت أنه من العبث حتى محاولة إعادتها مرة أخرى".


وودي آلان



"غالبا ما يسألونني عن سر توجيه الممثلين، ويعتقدون دائما أنني أهزل عندما أجيب بأن كل ما عليك فعله هو أن تتعاقد مع ممثلين موهوبين، ودعهم يفعلون عملهم، هذا حقيقي.


يميل بعض المخرجين إلى الإفراط في توجيه ممثليهم، ويتهاون الممثلون في ذلك لاأهم، حسنا، يحبون المبالغة في الأداء. إنهم يحبون مناقشات لا حد لها عن هذه الجزئية. إنهم يحبون جعل مجمل مسألة إبداع شخصية ما عملية ذهنية. وغالبا ما يفسر ذلك اضطرابهم وفقدانهم لعفويتهم أو لموهبتهم الطبيعية. الآن أعتقد أنني أعرف من أين ينتج كل ذلك. فأعتقد أن الممثلين ـ وربنا المخرج أيضا ـ يشعرون بالذنب تجاه فعل شيء بسيط وطبيعي بالنسبة إليهم مثل هذا، ومن ثم يحاولون جعله أكثر تعقيدا كي يبرروا سداد المال من أجله. وأعتقد بأنني بعيد عن مثل هذا التفكير.


بطبيعة الحال، لو أن لدى الممثلين سؤالا أو اثنين سأجيب عنهما، كما أنني أستطيع بالأحرى، التعاقد مع ممثلين وأدعهم يفعلون ما هم جديرون به. لن أجبرهم أبدا على أى شيء، فأنا أثق تماما في غريزتهم التمثيلية، ولم أُصبْ أبدا بخيبة أمل.


أيضا كما قلت أقوم بتصوير لقطات بعيدة، مشاهد غير مولّفة. التي يحبها الممثلون لأن ذلك هو ما يدور حوله التمثيل. في أغلب الأحيان يقومون في الأفلام بتصوير لقطة ثلاثية ثنائية، حيث يقومون بتحريك رؤوسهم ويتفوهون بكلمتين، ومن ثم عليهم الانتظار لأربع ساعات لتصوير نهاية هذا المشهد من زاوية أخرى. فهم ما إن يسخنوا حتى يتوقفوا.


إنه أمر محبط للغاية، وأعتقد أنه يسير عكس نفس الشيء، الذي يجعل من مهنتهم شيئا منعشا. لذا في كل الأحوال، ما إن يظهر أحد أفلامي، يندهش الممثلون أنفسهم من روعة أدائهم ويعاملونني مثل بطل! لكن الحقيقة هي أنهم هم من أنجزوا كل العمل".