التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:59 ص , بتوقيت القاهرة

سندريلا 2015 بنفس حذاء ديزني الكلاسيكي الساحر

شخصية سندريلا التي انتقلت من أصلها الذي ناقشناه كـ أسطورة فرعونية  إلى التراث العالمي بفضل المؤرخ والفيلسوف اليوناني سترابو (63 ق.م - 24 م)، وأصبحت الحدوتة الساحرة، التي نعرفها الآن كما سجلها الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بيرو، ظهرت في عشرات الأعمال الفنية منذ فجر السينما، ويعود تاريخ أول معالجة سينمائية لها إلى عام 1898.


لكن أول نسخة حققت شهرة تم إنتاجها عام 1914 مع ماري بيكفورد في دور البطولة. ويظل في النهاية فيلم الرسوم المتحركة Cinderella 1950 الذي أنتجه والت ديزني، هو النسخة السينمائية الأشهر على الإطلاق. وحجر الأساس أيضا لنسخة ديزني الجديدة الحالية في 2015.



آخر سندريلا شاهدناها من ديزني كانت في فيلم وسط الغابات  Into the Woods  منذ ثلاثة أشهر فقط لا غير، مع الرقيقة آنا كيندريك في الدور. وهو عمل مختلف مقتبس من مسرحية غنائية بنفس الاسم، يدمج عدة حواديت خرافية في قصة واحدة.

السنوات الأخيرة شهدت عدة معالجات من ديزني لتراث القصص الخرافية، يعاد فيها طرح القصص من منظور مختلف، وهو ما تحقق في أفلام أخرى، حققت نجاحا تجاريا ممتازا مثل  Maleficent - Oz the Great and Powerful - Alice in Wonderland.


سندريلا الجديد الذي أخرجه كينيث براناه وقام ببطولته ليلي جيمس في الدور الرئيسي، مع كيت بلانشيت وريتشارد مادين وهيلينا بونهام كارتر، لا يلعب بنفس الطريقة رغم بعض ملامح التجديد البسيطة المهمة جدا، ويتمسك بأصل القصة الكلاسيكي إلى أقصى درجة.


براناة كمخرج (وممثل أيضا) حقق شهرته أساسا من كلاسيكيات شكسبير الإنجليزية، واقتحم مؤخرا أفلام الأكشن والإثارة مع Thor  أحد أبطال مارفل، و Jack Ryan: Shadow Recruit  الذي أعاد فيه الشخصية الشهيرة التي ابتكرها توم كلانسي إلى الشاشات بعد غياب، وإن كان الفيلم فشل تجاريا.


الخبرة بالروح الكلاسيكية الإنجليزية الأرستقراطية، والجانب المهاري في صياغة مشاهد الإبهار مؤخرا، هى غالبا سبب اختيار ديزني لبراناة لتولي لمهمة، والى حد كبير نجح في كلا الجانبين بالفعل.


سندريلا كقصة تبدو الآن في 2015  النقيض التام لكل أفكار النسوية أو الـ Feminism، باعتبارها الأنثى الضعيفة المكسورة التي لا تواجه شرور زوجة أبيها وبناتها، مكتفية بانتظار الفارس المنقذ للخلاص. لكن بشكل ما يصيغ سيناريو الفيلم الشخصية لتصبح أنثى قوية مستقلة مبادرة، ويطرح تفسيرات مختلفة غير انهزامية لقبولها للحياة معهم. القدرة على مواءمة تطلعات جمهور 2015، والحفاظ على الروح الأصلية البريئة للشخصية والقصة بدون تغيير حاد منفر، مهارة لا يجيدها الا أباطرة هوليوود، الذين يضعون النجاح الجماهيري كبوصلة رئيسية لمشروعاتهم.



تزداد أهمية هذه النقطة هنا، لأن جمهور الفيلم المستهدف بالأساس هو البنات الصغيرات والمراهقات. ليلي جيمس اختيار موفق جدا لهذه المهمة. ممثلة جيدة ووجه غير معروف، وهي نقطة تساعد على تقبلها في الدور. ملامحها عامل مساعد آخر مهم، لأنها تتمتع بملامح جميلة هادئة لا تخلو من قوة، وتترك فورا هذا الانطباع المطلوب المحبب بالبساطة والألفة.


رغم هذا الاتقان في صياغة الشخصية الرئيسية، يعيب الفيلم نسبيا إهمال باقي الشخصيات. وحدها القديرة كيت بلانشيت تتألق في دور زوجة الأب، وتتزع لنفسها حضورا مهما بفضل أدائها، وليس بفضل السيناريو، لدرجة تجعلك تتعشم في أحد المشاهد أن نشاهد يوما ما القصة من منظورها على غرار فيلم  Maleficent  الذي شاهدنا فيه قصة الجمال النائم أو Sleeping Beauty  من منظور آخر.


باقي الشخصيات باهتة نسبيا، رغم قائمة الأسماء المرموقة الأخرى. على سبيل المثال لا تحقق هيلينا بونهام كارتر هنا في دور الجنية الساحرة التي تساعد سندريلا، عُشر ما حققته سابقا في دور "ملكة القلوب الحمراء" أو Red Queen  مع المخرج تيم بيرتون في آخر نسخة من آليس في بلاد العجائب Alice in Wonderland.



والطريف أن الجانب الفكاهي الذي فشل الممثلون المساندون في توفيره لأصدقاء سندريلا، بعد أن تحولوا من فئران وطيور وسحالي إلى بشر، نجح في توفيره فريق الإنتاج والمؤثرات البصرية. مشهد انتهاء السحر تدريجيا مع دقات الساعة الـ 12  وعودة كل شىء لأصله، أكثر مشاهد الفيلم سحرا ومرحا.


بصفة عامة تحتفظ ديزني هنا كعادتها في أغلب أفلامها الأخيرة، بمعدلات إتقان قياسية في إدارة الإنتاج والديكورات والملابس والماكياج والمؤثرات البصرية. ورغم أننا لازلنا في شهر مارس وسنشاهد الكثير والكثير طوال العام، فغالبا سيصمد الفيلم للمنافسة بقوة على أوسكار في بعض هذه العناصر.


بقي أن أذكر بخصوص جماليات الصورة، أن مدير التصوير هاريس زامبرلكوس يذكرنا هنا من جديد بسحر وثراء صورة وألوان كاميرات السينما السيلولويد، التي افتقدناها مؤخرا مع اكتساح كاميرات الديجيتال اللعبة.



سندريلا 2015  لا يحتوي على عناصر جذب للكبار على غرار أفلام ديزني الأخيرة، ويفتقد ربما لمرح وتجديد بعضها، لكن مثل قصص الـ Fairy tale  أو الحكايات الخرافية نفسها، التي لا تزال تحتل أرفف المكتبات طوال قرون وقرون، وتبهج ملايين الأطفال جيلا بعد جيل، يملك قدرا من السحر واللطف يصعب أن يمحوه الزمن وتغير الذوق.

وتماما مثل الحذاء الذي لا يتسع لقدم أي فتاة إلا سندريلا، تبدو هذه النوعية من الأفلام والقصص كما لو كانت مخصصة حصريا لديزني.



باختصار:
الأداء الجيد من ليلي جيمس وكيت بلانشيت، بالإضافة إلى تعاويذ ديزني السحرية على مستوى الصورة، قد لا تكفي لإمتاع الكبار وإرضاء كل الأذواق، لكنها بكل تأكيد كفيلة بوضع بسمة على شفاه كل طفلة وبنت، ومنحها ذلك الشعور الساحر بالسعادة والسمو الملكي. 


لمتابعة الكاتب