التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 04:54 م , بتوقيت القاهرة

ألف مشهد ومشهد

زمان كنت بـ اشتغل مدرس لغة عربية للأجانب، وفـ بدايات شغلي، جاني طالب عايز درس، الطالب كان بـ يتكلم وبـ يكتب فصحى وعامية كويس، سألته: أومال هـ أدرس لك إيه؟ رد بـ إن مشكلته عدم الفهم، لما بـ يبقى قاعد مع أصحابه بـ يتكلموا تلات أرباع الحوار بـ يضيع.


في الحالة دي، إحنا بـ نلجأ للـ "إديومز"، اللي بـ يسميها تيمور باشا "كنايات العامية"، اللي هي التعبيرات الجاهزة، يعني المعنى من الجملة أو التعبير أو العبارة مختلف كليا عن معنى كل كلمة، زي مثلا "ماشي جنب الحيط" كل كلمة معناها واضح، بس المعنى العام إنه راجل في حاله، مش بـ يحب يعمل مشاكل، وزي مثلا "لسان العصفور" اللي هو لا عصفور ولا لسان ولا أي حاجة، وهكذا وهكذا.


الدروس مع الطالب ده، اللي بقى من أقرب أصدقائي، استمرت أكتر من سنتين، بـ التأكيد كانوا مفيدين ليّ أكتر ما هم مفيدين ليه، لأني خلالهم أعدت اكتشاف علاقتنا إحنا المصريين بـ لغتنا، واكتشفت تفاصيل أكتر من مدهشة في تعبيراتنا، وفي تعاملنا مع التعبيرات واللغة والحياة والدنيا والآخرة.


من الحاجات الأكثر إدهاشا في ده كانت قدر ارتباط المصريين بـ الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والإعلانات والأغاني بتاعتهم، واللي واضح من كمية التعبيرات والإديومز اللي دخلت العامية مستعارة من الأعمال الفنية، لـ درجة إني جبت موسوعة السينما، وقعدت أتابع فيلم فيلم، وأشوف استعرنا منه إيه في حياتنا، وكانت الكمية فعلا ضخمة.


أنا مش متأكد إذا كانت دي ظاهرة عالمية ولا لأ، بس أتصور، مهما كانت موجودة في ثقافات تانية، مش هـ تبقى موجودة بـ الكثافة دي وبـ الكيفية دي، لو عدينا مثلا الشخصيات الفنية اللي بقى لها مدلول منفصل في الحياة، مش هـ تلاحق: محجوب عبد الدايم، زكي قدرة، لبلب، سرحان عبد البصير، سنية شخلع، سي السيد والست أمينة، نعيمة ألماظية، بنت سلطح بابا، .... إلخ إلخ، أما عن التعبيرات المستعارة فـ حدث ولا حرج.


الموضوع ده كان مدخلي لـ رؤية الأعمال الفنية بـ شكل تاني، وهو تجلياتها الاجتماعية، وحركة تأثر المجتمع بيها ماهيش ميكانيكية، والناس مش بـ يلعبوا دور المستقبِل السلبي، اللي بـ ياخد اللي بـ يطرح عليه وخلاص، نتأمل مثلا جملة: "هي دي مصر يا عبلة"، اتقالت في الفيلم إزاي وبمعنى إيه؟ ثم تحولت إزاي، والسياقات اللي بقت بـ تتقال فيها، والتنويعات اللي اتعملت عليها زي: "هي دي مصر يا هبلة" وغيره.


اللافت إن فيه أعمال فنية انتبهت للقصة دي، واتبنت على الجمل والتعبيرات والشخصيات دي، سواء المسلسلات الرمضانية الخفيفة اللي اتعملت كـ بارودي على الكلاسيكيات أو أفلام "جادة" أو بـ تحاول تكون جادة، زي "أشيك واد في روكسي" و"رشة جريئة"، ومعظم شغل أحمد مكي قايم على التيمة دي، لـ درجة إنه عمل شخصية (الخليجي في "طير إنت") كانت بـ تكرر "قفشات الأفلام" في كل جملة تقريبا.


وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بـ نلاقي أي صفحة اسمها "قفشات أفلام" عليها مشتركين بـ الملايين، لأن الموضوع ده فعلا من الموضوعات المحببة عند غالبية المصريين.


اللي هـ نعمله في السلسلة الجديدة، إننا هـ نسترجع مشاهد من الأفلام المصرية: قديم جديد كوميدي سياسي ديني أكشن، من أول "اللي مالوش أهل الحكومة أهله يا براهيم" في فيلم زينب (أقدم فيلم ناطق مشهور) لـ حد أحدث فيلم، ونحاول نتعرف على صناعه والمشاركين فيه، وإزاي الناس استقبلته، وانتشر إمتى، واختفى إمتى وليه؟

يالا بينا