زمن الردح الجميل
أصبحنا نعيب زماننا اليوم حتى في قاموس الشتائم، فقد تبدل بنا الحال إلى حال آخر، وأصبح حتى السباب فج ولا أصل له في الكلام، مصطلحات لا نعرف من أي جهة هبطت علينا وليست من بيئات شعبية كما يظن البعض بل غالباً من بيئات عشوائية، مصطلحات فجة وأحياناً لا تعرف معناها أصلاً وكأنها شفرة خاصة بذويها.
السباب سابقًا تستطيع أن تراه جلياً في الأعمال الدرامية وأفلام الأبيض والأسود لمن لم يعاصر تلك الفترة، واتضح أن جميعها لها أصل ومعنى في الكلام، وإن اختلفت قليلاً تبعاً للمصدرأو الباحث عنها، لكنها في النهاية لطيفة طريفة ذات أصل ومعنى وبعيدة كل البعد عن فظاظة ووقاحة الآن التي زادت بشكل ملحوظ مع انحدار الأخلاق، والحقيقة لا أعرف إلى الآن ما سر ارتباط كونك على حق باستخدامك أبشع الألفاظ !! سابقاً قالوا صوتك العالي دليل ضعف موقفك واستخدامك أبشع الألفاظ دليل إيه؟!
بعض معاني وأصل بعض المشاجرات الكلامية الشعبية في مصر في زمن الردح الجميل:
- يا الدلعدي: وهو لفظ له تفسيران الأول تحريف لعبارة " يا ألد العدي" أي " يا ألد الأعداء" والآخر " يا دا العدي" أي " يا هذا العدو"، وتعني هذه العبارة أن الذي يتوجه إليه الحديث هو عدو أما لو كان الحديث يتوجه إلى شخص صديق فالمصطلح يعني حينها الدعاء له وحمايته من ألد أعدائه.
- يا عمر: من أقدم التعبيرات المصرية ويعود إلى العصر الفاطمي لأسباب مذهبية، كان الفاطميون يبغضون شخصية عمر بن الخطاب، فكان خطباؤهم يسخرون منه على المنابر ذاكرين بعض المواقف المنسوبة إليه ثم يقولون باستهزاء: "وأين كنت أنت يا عمر؟" ويمطون كلمة عمر فيقولون "يا عووومااار"، فتوارثها المصريون وصاروا يقولون لمن يردحون له "يا عمر".
- افرش الملاية: حتى منتصف القرن العشرين كانت النسوة خاصة في الإسكندرية يرتدين عند الخروج ملاءة سوداء، وإذا أرادت إحداهن الردح لفترة طويلة فرشت ملاءتها على الأرض، وتربعت عليها وهذا الموقف يعني أنها تفرغت للمواجهة والمقارعة.
- أخلي اللي مايشتري يتفرج: ومعناها أن تقوم الرادحة بتوجيه الإهانات إلى خصمها حتى تفضحه، وتجعله فرجة للناس كالبضاعة المعروضة على الملأ لمن يرغب في الشراء، ولمن يكتفي بالمشاهدة.
- المرا: كان إذا أراد المصريون مخاطبة المرأة باحترام في لغتهم الشعبية قالوا لها "الست"، أما إذا أرادوا احتقارها قالوا عنها "المرا"، وهي كلمة تستخدم كذلك في السباب الموجه للرجل، فإذا وصف بها أحدهم فهذا يعني أنه ناقص الرجولة وإذا قيل له "ابن المرا"، فهي إهانة مركبة إذ يتم بها تحقير أمه، والأمر نفسه إن وصف أنه "تربية مرا"، أي أنه لم يتربَ على الرجولة.
- ابن أو بنت الرافضي: هذه أيضاً سبة قديمة جداً أصلها "ابن الرافضي" والرافضي مشتقة من "الرافضة"، وهو أحد الأوصاف التي تطلق على كارهي الصحابة من غلاة المتحيزين للإمام علي.
- تلهيك وترازيك وتجيب اللي فيها فيك: وهو مثل شعبي يصف العاهرة بأنها حين تتشاجر مع خصومها فإنها تلهيهم عن المشكلة بأن تتطاول عليهم وترازيهم أي تشاكسهم ثم تتهمهم بما فيها من نقائص.
- أقف عوج واتكلم عدل: أي قف كما تريد لكن تحدث باحترام.
- أجرسك وأبهدلك: التجريس كناية عن الفضيحة وأصل الكلمة أن المحكوم عليه بعقوبة في العصور القديمة كان يوضع مقلوباً على حمار، ويطاف به في المدينة وخلفه منادٍ يعدد جرائمه وهو يقرع الجرس، أما البهدلة فهي العبث بهيئة الخصم وهندامه حتى يفقد احترام الناس له.
- أطلعلك ميتينك: يعتبر المصريون أن أصعب موقف قد يتعرض له المرء هو خروجه من القبر يوم القيامة للحساب، يشير هذا التعبير إلى أن المتحدث سيجعل خصمه يعاني ما هو أقسى من طلوعه هو وأهله (ميتينه) من القبر.
- تمشي على العجين ما تلخبطوش: أي الزام الشخص المقابل بالتزام الأدب حتى يبلغ به الحذر ألا يغير شكل العجين لو سار عليه.
شوباش: وهذه من أقدم مفردات الردح المصرية على الإطلاق، فهي تعود للعصر الفرعوني بمعنى مختلف تماماً عن الغرض المراد من الردح فـ " الشوباشي"، عند الفراعنة هي تماثيل صغيرة توضع في القبر لتردد الدعاء للميت، وقد انتقلت الكلمة للعصر الحديث وحملت معنى آخر هو رددوا ورائي ما أقول وأمنوا على كلامي الموجه للخصم.
نهايةً وفي كل الأحوال إن كان لك قيمة معينة لا تنزل عنها وتواجه الآخرين في ردح وشتائم، فتقلل من قيمتك ويرتفع هو على حسابك ويحتار بينكم الناس من منكم السفيه ومن العاقل، نحن في أيام اختلط بيها الحابل بالنابل، فلا تنغمس في مشاجرات تجرك للأسفل وخصمك لا يضيره شيء فهو بالأساس في الأسفل، ولنكتفي بالردح الجميل في دعابتنا ونترك السباب والقول الفظ لأهله هم أولى به.