التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:05 ص , بتوقيت القاهرة

حفلات تاريخية لأم كلثوم (9)

معظم المصريين اللي عايشين دلوقتي، جوه مصر وبراها، ما شافوش نكسة 1967، بـ اعتبارها قربت من خمسين سنة، وإحنا شعب أغلبه تحت التلاتين. وأنا من جيل ما شافهاش برضه، بس اتأثر بيها، وعاش نتايجها على الأقل في بدايات حياتنا، يمكن الأجيال اللي جت بعد كده بقى عندهم هموم تانية، وانكسارات أحدث، بس إحنا مازلنا بـ ننجرح لما نسمع كلمة "النكسة".


كلمة "النكسة" كانت اختراع من هيكل لـ تخفيف آثار الهزيمة، بس اللي حصل إن كلمة النكسة بقت في وجدان المصريين أصعب ميت مرة من كلمة "الهزيمة".


المهم، الصورة اللي اتكونت عند جيلي عن النكسة إننا "فجأة" تعرضنا لـ عدوان من إسرائيل، وإننا ما حاربناش، وإن الطيارات اتضربت ع الأرض، وإننا اتاخدنا غدر، والصورة دي فضلت ثابتة في ذهني، بس بعد كده فيه حاجات غيرت الصورة دي، كان من ضمنها تسجيل لـ حفلة أم كلثوم قبل النكسة، الحفلة اللي بـ أسميها "حفلة النكسة".


الحفلة كانت يوم 1 يونيه 1967، قبل النكسة بـ أربع أيام، في دار سينما ومسرح قصر النيل اللي جنب أفتر إيت وتحت دار ميريت. وتقدر تقول إنها حفلة استثنائية غير أي حفلة من حفلات أم كلثوم في تاريخها.


أولا، كان واضح جدا من أجواء الحفلة، وتقديم جلال معوض إننا بـ نعيش مناخ حرب فعلا، وإننا ف قلب الأحداث، وده خلاني أدور شوية في الأغاني اللي أذاعتها الإذاعة في الأيام اللي سبقت النكسة، وبـ الفعل لقيت عدد من الأغنيات اللي ما عادتش تتذاع تاني، منها أغنية عدينا يا معداوي لـ شادية لـ عبد الوهاب محمد وشادية، واللي ناس كتير فاكرين إنها لـ أكتوبر والعبور وسينا وكده، بس هي الحقيقة اتسجلت في مايو 1967، واتذاعت في يونيه، نفس أيام حفلة أم كلثوم.


المهم، إنه مش بس كلام جلال معوض، لكن كمان حالة فرقة أم كلثوم، والهرجلة اللي كانت في الصالة، وصوتها وهي بـ تغني، كل حاجة بـ تقول إننا فعلا بدأنا الحرب، والأهم من كل ده الأغاني اللي غنتها.


في الوصلة الأولى، الست غنت "راجعين بـ قوة السلاح"، الشهيرة بـ اسم "الله معك"، واللي كتير فاكرين إنها اتغنت بعد النكسة، الغنوة دي كلمات صلاح جاهين وألحان رياض السنباطي. و"الله معك" الكاف هنا لـ جيش العروبة اللي خلاص "رايح يحرر الحمى"، وطبعا كلنا عارفين إن جاهين اكتأب بعد النكسة، وبطل يكتب أغاني وطنية لـ حد ما تحقق العبور 1973، ولما حليم راح له بعد النكسة علشان يرجع يكتب، قال له: "إحنا جينا نغني للناس غنينا عليهم يا حليم"، بحسب شهادة ابنه بهاء جاهين.


في الوصلة التانية والتالتة غنت أغنيتين كانوا قُدام وقتها، والاتنين كانوا أغاني دينية، بس ليهم طابع حماسي، الأولى هي "سلوا قلبي" اللي كتبها أحمد شوقي ، ولحنها السنباطي، ومن كلماتها:
وكان بيانه للهدي سبلاً
وكانت خيله للحق غابا
وعلّمنا بناء المجد حتى
أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا

أما آخر غنوة فـ كانت "حديث الروح"، اللي كتبها الشاعر الباكستاني محمد إقبال وترجمها شيخ أزهري كفيف، له تاريخ كبير مع إن اسمه مش معروف، هو الصاوي شعلان، والغريب إن اسمه مش بـ يتكتب ع الغنوة، مع إن اسم أحمد رامي بـ يتكتب على رباعيات الخيام عادي.
حديث الروح قصيدة كلها أسى على انحطاط المسلمين، وضرورة الجهاد والتمسك بـ الدين القويم، علشان نرجع الأمجاد:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحي دينا

أربع أيام هي اللي فصلت الحفلة دي عن اللي حصل
وربنا يرحم الجميع.