التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:05 ص , بتوقيت القاهرة

زوجتي لا ترد أيديهم

جاء رجل للرسول يقول، يا رسول الله إن امرأتي لا ترد يد لامس. قال الرسول: طلقها. قال الرجل: إني أحبها.. قال أمسكها.. انتهى. (رواه أبو داوود والنسائي وصححه الحافظ بن حجر).


لا ترد يد لامس.. يعني غير محتشمة بشكل كامل. اجتماعية زيادة عن اللازم. يمكن بتسلم على الرجالة وتبوس. واحد يهزر يحط إيده على كتفها وهما بيتصوروا. بتلعب "صلح" مع أصحابها في الشغل. جايز. الإمام شمس الدين الذهبي في "مختصر السنن الكبرى" ذهب لما هو أشد. قال إنها تتلذذ بمن يلمسها!


لاحظي كيف تعامل الرسول.. لم يقل اضربها أو أدبها. لم يقل ائتني بها انصحها.. بل قال دعها لحالها وطلقها.. قال الرجل إني أحبها.. أنت حر، خلاص خليها.. بس كدة! بلا مزايدات أو اتهامات له في رجولته. لم يقل له أنت ديوث لا تغار على عرضك. بل يتفهم تناقضات البشر، ما بين غيرته وغضبه كرجل ومشاعره كإنسان يُحب. ثم لا يفرض عليه شيئا في حياته الخاصة. وهو رسول الله.


هذا حدث في مجتمع الصحابة.. مجتمع بشري بكل ما فيه من ضعف وغواية وزلل.. وما فيه من فضيلة وعظمة ورقي.. القرآن يؤكد على الفضيلة في أعلى صورها. حتى لو مجرد نظرة شرود. والرسول بايع النساء على حفظ الفروج والأعراض. لكن الله قال له (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).. والله وحده يحاسب البشر.
متشغلش بالك بالناس. سيبهم في حالهم. والتجاوزات موجودة في كل وقت.


يعني انت حابب أن دا يحصل في المجتمع..؟


لا طبعا.. ومراتي لو عملت كدة هجيبها من شعرها وهتحول إلى شرقي ذكوري، ينسى كل قيم الحضارة ويرتد للخلف حيث رجل الكهف. لكني أعرض عليك حياة الرسول والمدينة.. وهنا نستطيع تجاوز الأخطاء العادية لبعض الممثلات طالما كانت تقدم عملا جيدا.. الرسول يتغاضى عن تصرفات زوجة. فما بالك بممثلة! أريدك أن تعلو فوق الصغائر. نعم تلك صغائر لن تفيد ولن تضر. هناك ما هو أكبر في الدين والدنيا وحياة الناس ومستقبل البشرية.


تعرف شيء اسمه الملاعنة..؟


يعني رجل يضبط زوجته متلبسة بالزنا في بيته.. زوجة خائنة.


عارف يعمل ايه وفقا للشريعة.؟ 
يروح يجيب أربعة شهود.. ونظرا لصعوبة الامر أو ربما استحالته عمليا يبقى مفيش وسيلة غير الملاعنة أمام القاضي. يعني يشهد أربع شهادات بالله إنه صادق. يحلف. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذبا.. ليس له الحق في الاعتداء عليها أو قتلها.. رغم أن مشاعر الرجل في أعلى لحظات الاستفزاز والإهانة. ولو لم يفعل يتم جلده ثمانين جلدة لاتهامه بقذف زوجته. 


وهي تدرأ التهمة عن نفسها أن تشهد أربع شهادات بالله أنه من الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. يعني تحلف قصاده.


افرض هي كذابة. خلاص يبقى مفيش غير ربنا يحكم يوم الدين. ويفترقان في هدوء وتأخذ مهرها كاملا وتغادر. 
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سورة النور.


بالمناسبة أول شخص ذهب للرسول – اسمه عويمر – وسأله بشأن الرجل يجد مع زوجته رجلا غريبا. فعاب الرسول السؤال وكرهه وأعرض عن السائل ولم يجب. إلى أن نزل القرآن.. ودا دليل على أن الرسول كان لا يحب الخوض في حياة الناس الخاصة. لا يحب كثرة السؤال والفتوى. يجعل كل شخص يستفت قلبه حتى في وجود الوحي. إنه يقضي على الكهانة والدجمائية.


أما نحن فقد احترفنا الخوض في الأعراض واشتهاء الفضائح.


تخيلي هذا الأمر الخطير لا يحب الرسول السؤال فيه. فما بالك بما هو أقل من حياتنا العادية (دعاء لبس الشبشب ودعاء ركوب الأسانسير وهل يجوز أكل لحم الديناصور؟ طبعا لو عرفت تصطاده كله. ومعاشرة الجني المسلم.. الخ).


تعرفي أن الشريعة هنا أكثر رقيا ونضجا وترشيدا لغضب الرجل من القانون الجنائي العادي.. في القانون من يقتل قتلا عمديا فهو يعاقب عقوبة جناية.. يعني السجن أو الاعدام. لكن اللي يقتل زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا فالعقوبة مخففة.. تصير جنحة.. يعني حبس من 24 ساعة لـ 3 سنين. (المادة 237 عقوبات).


يعني هياخد سنة ولا سنتين حبس مع إيقاف التنفيذ غالبا. يعني القانون الحالي في مصر يشرعن لقتل الزوجة الخائنة.. بينما شريعة الله لا تعطي للزوج الحق سوى ان يشهد ضدها وهي تشهد ضده. ثم يفترقا في سلام. سعد بن عبادة زعيم الأنصار، سمع كلام الرسول حول الملاعنة، فقال يا رسول الله أرى رجلا بين فخذي امرأتي واذهب لاتي بشهود.. والله ما له عندي إلا حد السيف.. فقال الرسول إن سيدكم لغيور. وأنا أغير منه. والله أغير مني.


لاحظ لم يقل له الرسول أنت ترفض حكم الله يا سعد.. أو أنت تخالف القرآن.. فقط يعلق على غضبه وغيرته. ويقدر مشاعر الإنسان وإن تعارضت قليلا مع الوحي السماوي.. لو ناقش أحدنا الآن شيخا لربما اتهمه بالكفر. فما بالك بمن يناقش النبي ويتبرم من بعض أحكامه!


وهنا نستطيع فهم فلسفة التشريع وكيف تعامل معها الرسول.. فهي مُثل عليا نحاول السعي نحوها. الارتقاء لها. تزكية النفس من الذاتية والانتقام. خطوة خطوة. ومش ضروري تنجح بـ 100% وبالهداوة على الناس. 


*فاطمة بنت قيس، صحابية، طلقها زوجها طلاقا بائنا. وتريد قضاء العدة خارج بيت زوجها.. ذهبت للرسول تقول له دبر لي مكانا. فأوصاها في البداية أن تذهب لبيت أم شريك.. صحابية.. لكنه عدل عن القرار وقال، تلك امرأة يغشاها أصحابي (!) ثم قال اذهبي لبيت عبد الله ابن أم مكتوم فإنه رجل ضرير وتستطيعي ان تضعي ثيابك عنده".- رواه مسلم /كتاب الطلاق.


نهاري مش فايت أنا عارف.. الحديث دا انقلاب في حد ذاته. وأنا كمحمد بحب الانقلابات.. الرسول يقول عن أم شريك - اسمها غزيلة بالمناسبة - ان بيتها يغشاه أصحابه.. يعني الرجال كانوا يجتمعون في بيت غزيلة. كملتقى عام يتحدثون في شؤون الحياة.. منتدى.. صالون.. كوفي شوب.. الخ. ودي ست ودول رجال غرباء.. طب فين حرمة الاختلاط. وحرمة الخلوة.. وكل ظنون السوء اللي هتيجي في الخيالات المريضة. 


حتى لو كانت امرأة كبيرة. يكفي أنها تشارك في الحياة العامة. سياسيا وفكريا . بهذا المستوى من التأثير والانفتاح. 


القادم أشد.. 
يقول لها اذهبي لبيت ابن ام مكتوم اقيمي عنده. وعشان هو فاقد البصر فممكن تتخفف من ثيابها في بيته دون حرج.. آه يا نا يابا ياما.. ابن ام مكتوم وفاطمة غرباء في بيت من أربع جدران وسقف، والست بتلبس براحتها كأنها في بيتها.. طب فين كل وساوس الشيطان اللي ممكن تحصل.. طب هو مش هيشوفها، طب وبالنسبة لها هي مش هتشوفه؟ طب مش ممكن تفتن بيه.. وهو مش ممكن يفتن بيها.. بصوتها.. كلامها.. وجودها! 


يا عزيزتي لم يكونوا مهووسين. لم يكن خيالهم مليء بالانحراف وسوء النية والشذوذ. كان يقدرون على الحفاظ على الفضيلة وشرف الكلمة حتى وقت الاختلاط.. لم يتصوروا الرجل ذئبا ينتظر اللحظة المواتية للانقضاض على الفريسة ينهشها.. ولم يتخيلوا المرأة، لعوبا تنتظر الفرصة للغواية.


والرسول كان إنسانا متفتحا. يراهن على الخير في قلوب الناس. يترفع عن الصغائر. يمرر بعض التجاوزات الشكلية. يترك الناس في حالها. هي وضميرها والله من فوقهم يحاسبهم. ويخرج من المساحات الخاصة ولا يفرض وصايته عليها.


هكذا ينمو الضمير العام. تنتهي النميمة والهوس وتتبع عورات الناس.. لنترك شأن النساء ونلتفت إلى شأن الحياة من عمل وحب وإبداع. 


طيب عايزة الحياة تبقى مكان أفضل؟ اسمعي كلام النبي الهادي المصطفى. وهو يوصي أصحابه في علاقتهم بعضهم ببعض فيوصيهم بالمعروف. ويضرب مثالا لذلك المعروف. "ولو أن تفرغ من دلوك في دلو أخيك." (رواه أحمد والترمذي) 


تفرغ من دلوك في دلو لأخيك عن رضا وكرم.. تتنازل عن جزء من نصيبك. حقك وجهدك. مشاعر التعاطف والكرم والتخلي عن الأنانية والصراع الناشئ عنها ينهي ثلاثة أرباع صراعات الحياة.. تقدر..؟


طيب خد التانية.. من رسول السلام.
يقول لهم، ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة..؟ قالوا بلى.. قال عليه الصلاة والسلام، صلاح ذات البين. وفساد ذات البين هو الحالقة. لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" .. (صححه الترمذي وابن حبان. ورواه البخاري في الأدب المفرد).


صلاح ذات البين، يعني إصلاح ما بين الناس من علاقات. البحث عن المحبة والسلام أفضل عند الله من الصوم والصلاة والصدقة. وفساد ذات البين. فساد ما بين الناس من علاقات. حالقة. تحلق الدين سيدي. حتى لو صام وصلى وزعم أنه مسلما.


تعرف يعني إيه..؟ يعني اللي يفسد العلاقات بين الناس تقريبا رايح في داهية، ومخالف لأعظم وصايا الرسول.. سامعك بتقولي طيب اللي استخدم الدين للتفريق بين المصريين وتصنيفهم وبث الكراهية والصراع في حياتهم. للمتاجرة والمكايدة السياسية..؟


لن أرد.. سأترك المرأة التي بدأت بها الحديث والتي لا ترد يد لامس هي من تجاوبهم.