التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 12:39 ص , بتوقيت القاهرة

صنم "الباب المفتوح" الذي لم يُحطم

كان من الممكن أن تُعتبر رائعة لطيفة الزيات "الباب المفتوح" روايةً مؤسسة للأدب النسائي في مصر، خاصة وأنها نُشرت عام 1960، أي قبل كل رائدات الأدب النسائي العربيات، فمعظم مقومات الرواية النسائية التي تبلورت فيما بعد حاضرة وبقوة، لأنها عُنيت بواقع المرأة، وشرّحت همومها وتساؤلاتها، وحملت على التناقضات التي واجهتها في هذه المرحلة، إلا أن اعتماد التحول الدرامي على شخصية البطل "حسين عامر"، يحول دون ذلك.


دور البطل في الرواية النسائية لا يكاد يختلف عن دور ذكر العقرب، إشباع الأنثى جنسيا والمحافظة على استمرار النسل، إلا أن "حسين" في الباب المفتوح يقود البطلة "ليلى" في مسيرتها التحررية!! بل يجعلها تقتنع برؤيته ومفاهيمه الخاصة عن الحب والسعادة.


"وأنا أحبك وأريد منك أن تحبينى، ولكنى لا أريد منكِ أن تفني كيانكِ في كياني ولا في كيان أي إنسان. ولا أريد لكِ أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي إنسان. أريد لكِ كيانكِ الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين.
وإذ ذاك، عندما يتحقق لك هذا، لن يستطيع أحد أن يحطمك، لا أنا ولا أي مخلوق. إذ ذاك فقط، تستطيعين أن تلطمي من يلطمك وتستأنفي المسير. وإذ ذاك فقط تستطيعين أن تربطي كيانكِ بكيان الآخرين، فيزدهر كيانك وينمو ويتجدد، وإذ ذاك فقط تحققين السعادة".


لم تنجح لطيفة الزيات في تجاوز الفكرة الاجتماعية المتعلقة بالجدارة الإيجابية للرجل، هو الذي يفعل ويغيّر ويقود، بل إنها صنعت صنما رجاليا جذابا، يمسك المرأة من يدها ويذهب بها إلى حيث يريد، ثم تبقى هي على هامش الأحداث، تنقاد مرة خلف أبيها ومرة خلف أخيها، وابن خالتها- حبيبها الأول، وفي النهاية خلف الصنم الجديد.


لا يمنع كل ذلك أن الرواية جيدة، واقعية، كشفت عن معاناة المرأة في الطبقة المتوسطة المحافظة، المعاناة التي تبدأ منذ لحظة البلوغ، وغلق الأبواب الذي لا يغري إلا بالتمرد عليها، ما يذهب بها إلى الشخص الوحيد الذي سمح لها أهلها برؤيته والتقرب إليه، باعتباره "مش غريب"، ابن خالتها عصام.


وإذ يخونها عصام مع الشغالة، تقرر ليلى أن تغلق الأبواب على قلبها، لئلا تتعرض للخيانة من جديد، إلى أن يظهر في حياتها أستاذها في الجامعة، الدكتور رمزي، الشخصية المتسلطة المتعجرفة التي لا ترى في المرأة إلا جسدا مطيعا رقيقا، تحبه ليلى وتتأثر به.


"وتشبثت ليلى بظل الجدار يحميها ويقويها، وحصرت تصرفاتها، بل أفكارها، في النطاق الذي يرضى عنه الدكتور رمزي، وأصبح الصواب بالنسبة إليها ما يرتئيه صوابا والخطأ بالنسبة إليها ما يعتبره هو خطأ. ولم يصعب عليها قط أن تتبين خطأه من صوابه، فالخطأ واضح محدد المعالم. والأسود أسود والأبيض أبيض، ولا ظلال ألوان بينهما. والخطأ يعرفه هو وتعرفه هي وأمها وعديلة وكل الناس.
وتبنت ليلى آراء الدكتور رمزي وانحصرت في نطاقها. ولحظ هو هذا التطور، وحرص على إبداء تأييده له...".


ثم يتقدم لخطبتها وتوافق، وتتحرك مشاعرها نحوه، ففي ليلة الخطوبة تتوقع أن يصارحها بحبه.


"الليلة.. الليلة سيقول لها شيئا جميلا، الليلة. شيئا يهزها ويلفهما معا، ويجعلهما يحلقان عاليا بعيدا عن الناس. الليلة ليلتهما التي سيتذكرانها دائما، حين ينفردان في بيتهما، يحكي لها وتحكي له.
الليلة سيمد يده إلى يدها من تحت المائدة، ويمسك بها ويهمس بشيء في أذنها، شيء يجري الدماء ساخنة في عروقها. الليلة ستطوف نظرته بها كأنها تتحسسها، وكأنها تربت عليها وكأنها تضمها، ثم تنزاح عنها في ألم، حين يدرك هو أن النظرة لا تكفي، لا تشبع الرغبة في أن يحتويها في كيانه".


ولكن في نفس الليلة تلاحظ نظرته الشبقة إلى جميلة، ابنة خالتها، فيتحطم جزء منه في نظرها، وتبدأ في احتقاره تدريجيا، إلى أن تستمع لمناقشة له مع أخيها محمود، عندما حاول أن يقنعه بعدم الزواج من حبيبته، التي يراها والده "منفلتة".


"ـ يعني ضروري الجواز يا محمود؟ مافيش طريقة تانية؟ مش يمكن تكون نزوة وتفوت وتدفع تمنها غالي..
وكزت ليلى على شفتها السفلى بأسنانها.. السافل.. السافل، وتمنت أن يصفعه محمود، لا أقل من أن يصفعه محمود ردا على اقتراحه المسموم..".


تحاول أن تنهي الخطبة ولكن لا تجرؤ على مفاتحة أبيها.


وحتى النهاية، تقف ليلى مستندة على "حسين"، تستمد منه قوتها وقدرتها على خلع "دبلة" رمزي، ثم تسير معه وفي ظله للاحتفال بانتصار المقاومة في بورسعيد، ما يعني أنها استبدلت بالدكتور رمزي جدارا جديدا، لا فرق إذن.