المرأة في الأساطير.. "أميرة وضحية وشريرة"
إذا أخذت من الغصن البان قوامه، ومن النسيم رقته، ومن الأرنب وداعته، ومن الطاووس غروره، ومن الماس لمعته، ومن الصخر صلابته، ومن العسل حلاوته، ومن الثلج برودته، ومن النار حرارتها، ومن الأفعى خبثها، سيكون هذا الخليط "المرأة" كما صورتها الأساطير الهندية، وإذا كان الأمر كذلك فما صورتها إذا في باقي الأساطير القديمة؟
هيرا ووحشها "الأرجوس"
تقول الأسطورة الإغريقية، إن هيرا، زوجة زيوس، كبير الآلهة، كانت تمتلك وحشا عزيزا إلى قلبها هو "الأرجوس" ذو العيون المائة، إلا أن غيرة هيرا وحدتها على زيوس دفعاها لارتكاب حماقات جعلت زيوس يغضب عليها، فأرسل من يقتل الأرجوس، وحزنت هيرا عليه حزنا شديدا، ما جعلها تعلن الحداد، وعلى سبيل مواساة نفسها، نزعت عيون الأرجوس المائة ورشقتها على ذيل طاووسها العزيز، وهكذا فسر الإغريق سبب وجود هذه العيون على ريش الطاووس، بأنها عيون الأرجوس.
إيكو ضحية هيرا
تحكي الأسطورة عن شابة مسكينة اسمها إيكو، ورغم أن هذه الفتاة لم ترتكب ذنبا، عوقبت عقابا صارما، حيث يقال إن زيوس كان كثير المغامرت النسائية، وكان يعشق فتاة جميلة ولكن غيرة زوجته هيرا عليه ومراقبتها المستمرة له، جعلته لا يستطيع أن يدنو من حبيبته، لذا قرر أن يتخلص من مراقبة زوجته بخطة شريرة، فأرسل لها خادمة تُدعى إيكو، وهي فتاه كثيرة الكلام، وبدأت تجالس هيرا وتحكي لها قصصا من هنا وهناك لإلهائها عما يفعله زوجها.
وتمر الأيام وتدرك هيرا أن زوجها يخدعها، بفضل جاسوسها الأرجوس ذو العيون المائة، فتقرر أن تعاقب ايكو وتحرمها من أجمل ما كانت تملك وهو لسانها، فحكمت عليها أن تسمع أي صوت، وتظل تردد آخر مقطع منه، وهكذا عاشت إيكو وحيدة حزينة تردد ما تسمعه مع الرياح، وسُمي بعد ذلك تردد الصوت على اسمها، ظنا من الإغريق أن إيكو هي التي تردد هذا الصوت وحدها في الرياح والصحاري والظلام.
جالاتيا.. أميرة الجمال والحب
في البداية، نرى النحات بيجالمون، عقد العزم على أن يصنع تمثال لآلهة الجمال، فينوس، وها هو يمسك بالمطرقة والإزميل، ويتفنن في نحت الحجر المرمري الجميل، الذي أصر على أن يفجر فيه كل مواهبه، وبعد أن فرغ من نحت التمثال نظر إليه بوله وهيام، ثم ألقى بالإزميل، وألقى بنفسه عند قدمي التمثال يقبلها ويغسلها، فقد أحب بيجالمون التمثال الذي صنعه وهام به وراح لا يبرح قدمي التمثال يقبلها ويغسلها بدموعه ويشعل عندها البخور.
وراح بيجالمون يتعذب على هذه الحالة إلى أن عطفت عليه فينوس، ورقت لحاله فجعلت الحياة تدب في هذا التمثال وحولته إلى فتاة جميلة جدا تُدعى جالاتيا، ففرح بها بيجالمون جدا وتزوجها وهو ممتن كل الامتنان لفينوس صاحبة القلب الكبير، التي عطفت عليه وراح يقدم لفينوس في معبدها القرابين، ويشعل البخور لتبارك له زواجه السعيد.
بسيشه
تحكي الأسطورة قصة أميرة رائعة الجمال، كانت محط إعجاب الجميع، ولكن أحد لم يجرؤ على طلب يدها للزواج، وبدافع اليأس، طلب الملك مشورة الإله أبولو، وقال الأخير إنه يجب أن تُترك بسيشه وحيدة، على قمة جبل، وقبل أن يطلع الصبح سيأتي وحش ليقابلها ويتزوجها، أذعن له الملك، وقبعت الأميرة طوال الليل في انتظار أن يقبل زوجها، وقلبها يرتعد خوفا، وجسدها يرتجف بردا، فاستسلمت للنوم أخيرا.
وعندما استيقظت وجدت نفسها في قصر جميل، وتحولت إلى ملكة، كان زوجها يأتي إليها كل ليلة ويتسامر معها، ولكنه وضع شرطا واحدا ووحيدا، وهو أن تحظى بسيشه بكل ما ترغب على أن تظهر ثقتها التامة بزوجها ولا تنظر إلى وجهه على الإطلاق، ولكنها كانت تخشى أن تكون قد تزوجت مسخا.
وذات صباح، بينما كان زوجها نائما، أنارت مصباحا، ورأت الرجل الذي كان مستلقيا إلى جانبها وهو إيروس (كيوبيد)، وكان يتمتع بجمال فريد، أيقظه نور المصباح، واكتشف أن المرأة التي أحب عجزت عن احترام رغبته الوحيدة، واختفى عن الأنظار، وعندما يئست من عودة رجلها، خضعت بسيشه إلى سلسلة من المهام فرضتها عليها أفروديت (أو فينوس)، وهي والدة كيوبيد (أو إيروس)، التي كانت تحسدها على جمالها.
وكانت إحدى هذه المهام، التخلي عن جانب من جمالها إلى أفروديت، وسيطر الفضول على بسيشه، وأرادت معرفة ما بداخل الصندوق الذي كان من المفترض أن يحتوي على الجمال، ومجددا عجزت عن التعاطي مع اللغز، فقررت فتح الصندوق، ولم تجد الجمال وبدلا من ذلك وجدت وحشا نائما، الأمر الذي تركها ساكنة بلا حراك، وكان كيوبيد غارقا في الحب أيضا، وكان نادما لأنه لم يكن صبورا تجاه زوجته.
وتمكن من دخول القلعة وإيقاظها من سباتها العميق بطرف سهمه ومجددا قال لها: "كنت على وشك الموت بسبب فضولك"، يا له من تناقض كبير، سعت بسيشه إلى الأمن في المعرفة ولم تجد سوى النقيض، فذهب الاثنان إلى جوبيتر، وناشداه أن يبقيهما متحدين إلى الأبد، ودافع جوبيتر عن قضية العاشقين بحماسة ونجح في كسب تأييد فينوس، ومنذ ذلك اليوم، أصبحت بسيشه (التي تمثل جوهر الإنسان) وإيروس (الذي يمثل الحب) معا، وكل من لا يقبل هذا الأمر ويحاول إيجاد تفسير للعلاقات الإنسانية السحرية والمكتنفة بالغموض، سيفقد الجانب الأفضل من الحياة.
ميديا
من الأساطير الإغريقية، وهي تعبر عن تحول المرأة من كائن رقيق وديع إلى آخر شديد القسوة والشراسة، الأسطورة معبرة جدا، وتحكي عن ميديا، تلك الفتاة التي أحبت شخصا من أعداء وطنها، وفي سبيل حبها خانت وطنها وباعته للأعداء، وساعدت حبيبها في قتل أبيها وأخويها ثم هربت معه ليتزوجها وتقضي معه أوقات من المتعة واللذة وأنجبت منه طفلين صغيرين.
ولكن مع الأيام بدأ حب هذا الزوج يقل، حتى كف عن الاكتراث لها ولم يعد يرمقها إلا بكره واحتقار، وفي أحد الايام علمت ميديا بنية الغدر التي بيتها لها زوجها، بعد أن قرر الزواج من أخرى، وأن ميديا في نظره ما هي إلا حقيرة خانت أهلها ووطنها ولعنتها الآلهة، وأنها أحقر من أن تظل زوجته، وأنه سيتزوج من غيرها ويأخذ الأطفال منها ويتركها هكذا ذليلة، مثل كلاب الشوارع ولن يكترث لها أحد.
فجن جنون ميديا، وقررت الانتقام من هذا الزوج الخائن، وفي اليوم التالي وقفت أمام زوجها الذي كان يستعد للزواج من أخرى، وذبحت أمامه طفليها الصغيرين، لترى في عينيه دموع القهر والمرارة، وليحرق الانتقام والحقد قلبها الأسود القاسي.