"العود العربي".. رحلة بدأها زرياب
تتردد العديد من القصص التاريخية حول نشأة آلة العود، ففي تاريخ الكامل "للمبرّد"، قيل إن أول من صنع العود هو نوح عليه السلام، لكنه اختفى بعد الطوفان، كما قيل إن أول من صنعه أحد ملوك الفرس المسمى جمشيد، وأطلق عليه "البربط".
يتميّز العود بالزخارف والنقوش واستخدام مواد ثمينة في تصنيعه كالصدف والعاج، حيث تضاف هذه المواد إلى بعضها في عملية مزج مدروسة، من ناحية لون وكثافة الأخشاب، ما يمكننا من معرفة موطن صنع العود وهوية وحرفية صانعه.
العرب
هناك اعتقاد أن العود الخشبي اقتبسه العرب من "الحيرة"، بدلا من عودهم الجلدي، وهو عود ذو وجهين من الجلد، و هناك بعض الروايات تفيد بأن العود ظهر لدى قدماء المصريين منذ أكثر من 3500 سنة، حيث عرفت الدولة الحديثة التي بدأت عام 1600 قبل الميلاد، وهو العود ذو الرقبة القصيرة، كما عثر في مدافن "طيبة" على عود فرعوني ذي رقبة طويلة وريشته الخشبية معلقة بحبل في العود، ويرجع عهده إلى 1300 قبل الميلاد.
شاهد صناعة آلة العود في العراق
العراق
وفي الدراسة المقارنة التي أجراها الدكتور صبحي أنور رشيد، لآثار العراق ومصر وسوريا وفلسطين وتركيا وإيران، ثبت أن أقدم ظهور للعود كان في العراق، في العصر الأكدي 2350-2170 قبل الميلاد، على ضوء ختمين أسطوانيين يمتلكهما المتحف البريطاني.
ونظرا لعدم وجود آثار ذات مشاهد لهذه الآلة في العصر السومري القديم، لذلك لم ينسب اختراع هذه الآلة إلى السومريين بل للأكديين، ثم انتشر العود في أنحاء العراق، وأصبح الآلة المفضلة في العصر البابلي القديم 1950-1530 قبل الميلاد، حيث كان شكل صندوقه الصوتي بشكل الكمّثرى صغير الحجم، واستمر على هذا الشكل حتى العصور المتأخرة من تاريخ العراق القديم.
شاهد فيديو عزف على العود في إيران
إيران
أما إيران، فقد عرفت العود منذ القسم الأخير من القرن السادس عشر قبل الميلاد، وهو العصر الذي أعقب نهاية العصر البابلي القديم.
شاهد عزف أحد الأتراك على العود
تركيا
ومن المواقع والمدن القديمة الواقعة في تركيا وفي شمال سوريا، والتي يعود أقدمها إلى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، ترجع البقية إلى الألف الأول قبل الميلاد، وفي فلسطين، تعود أقدم الآثار التي تحمل مشاهد العود إلى العصر البرونزي المتأخر 1600-1300 قبل الميلاد.
لامك
وإذا كانت العديد من المصادر العربية قالت إن "لامك"، هو مخترع العود، فإن التوراة تجعل "يوبال بن لامك"، من سلالة قايين بن آدم أبا لكل ضارب على العود، واتفق على ذلك بعض الكتاب من العرب والفرس ممن كتبوا عن الموسيقى وتحدثوا عن آلة العود، ومنهم من يقول إن آلة العود جاءتهم من اليونان، ومنهم من يرى أن فيثاغورث الملقب يلقبونه بمناظر سليمان الحكيم، هو الذي اخترعه بعد أن اكتشف توافق الأصوات الموسيقية، ومنهم من يعزو هذا الاختراع إلى أفلاطون.
الجنك
العود آلة موسيقية وتصنّف من الآلات الوترية التي ينبر على أوتارها بواسطة ريشة، وكلمة "عود"، كما ورد في القواميس العربية، تعني العصا أو الخشب.
وبداية ولادة آلة العود تعود إلى آلة كانت تدعى "الجنك"، وهي آلة وترية بدائية فيها عدة أوتار طليقة يعطي كل وتر منها صوتا واحدا، ولعل ولادة العود القديم من رحم هذه الآلة أسس لمرحلة جديدة ومهمة في تاريخ الموسيقى وصناعة الآلات الموسيقية.
التطور
بعيدا عن تاريخ الآلة وأصولها، كان من أهم علماء وفلاسفة الموسيقى الذين تركوا رسائل ونظريات عميقة عن آلة العود: الكندي، ابن سينا، الفارابي، زرياب، ابن زيلة، صفي الدين الأرموي البغدادي، اللاذقيّ، حيث عالج هؤلاء وغيرهم، هذه الآلة الحساسة، وطوّروها بفضل جهودهم بشكل كبير، من ناحية الشكل والمواد المستخدمة في الصناعة والمقاييس الخاصة بها وطول وعدد أوتارها ودورانها.
استمع إلى حلقة تعريفية بزرياب
الوتر الخامس
زاد زرياب بالأندلس في أوتار عوده وترا خامسا، إذ لم يزل العودُ بأربعة أوتار على الصنعة القديمة، فزاد عليها وترا آخر متوسطا، فاكتسب به عوده ألطف معنى وأكمل فائدة، وهو الذي اخترع بالأندلس مضراب العود من قوادم النسر، بدلا من مرهف الخشب، وأبدع زرياب في تنسيق الألحان، حتى توهّم أن الجن هي التي تعلّمه، ولا عجب فقد ورث هذا الشعور من أستاذه إسحاق الموصلي، الذي ورثه عن أبيه إبراهيم الموصلي وعمه أبي لمامة.
استمع إلى القصبجي وهو يعزف على العود
استخدم القصبجي آلات غربية مستحدثة على التخت الشرقي، فأضاف صوت آلتي التشيللو والكونترباص، في الأوركسترا الغربية من العائلة الوترية ذات الحجم الكبير، وهذه الآلات لا تصاحب المغني في أدائه على عكس بقية أعضاء التخت، وإنما تصدر نغمات مصاحبة في منطقة الأصوات المنخفضة، ما يعطي خلفية غنية للحن الأساسي، الأمر الذي يضفي عمقا على أداء الفريق لم يعهد من قبل في الموسيقى الشرقية، التي طالما اعتمدت على التخت الشرقي البسيط، المكوّن عادة من العود والكمان والقانون والناي بالإضافة إلى آلة إيقاع.
شاهد نصير شمة يعزف على 8 أوتار
نصير شمة
تميّز نصير شمة في العزف على آلة العود، بعد أن أسس لنفسه أسلوبا خاصا في العزف، وصار يُعرف باسمه، وفي إطار سعيه لتكريس آلته التي أحبها على مستوى العالم، افتتح أول فرع لبيت العود العربي في القاهرة.