التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:56 ص , بتوقيت القاهرة

ليالي المحمدي عن تاريخ قريش

يبدو "مؤمن المحمدي" -أحد كتاب الرأي بـ"دوت مصر"- اليوم كأحد المعنيين بفتح ما استغلق علينا من تاريخ مسكوت عنه، وسواء كان تاريخا محكيا، أو سبق أن ناله الحظ في التدوين، فالمحمدي يعتمد أسلوب البوح، مستعينا بفطرة الحكاء في جلسات السمر، يكتب كما لو أنه يدون، و يدون بطريقة تجبرك دائما على أن تبحث عن علامة "اللايك" في نهاية اللقاء.

 في سلسلته الأخيرة بـ"دوت مصر"، قرر المحمدي أن يستعين بأشهر رواة الثقافة العربية أثرا في التاريخ، وبطريقة شهرزاد، يحدثنا عن التاريخ السياسي، وصراع الملك ودسائس الحكام، داخل دولة قريش، التي حملت لواء نشر الدين الجديد، تحت راية النبي الأمي "محمد بن عبدالله القرشي". فبماذا تخبرنا "شهرزاد" عن قريش؟ ذلك ما نجمله لك هنا في تقرير مفصل عن الليالي القريشية العشر.


الليلة الأولى: مقدمة منطقية واستهلال لابد منه

من الماء خلق الله الأحياء، ولولا النيل ما كانت مصر، وأول ظهور لمكة بدأ مع ذهاب سيدنا إبراهيم، حاملا زوجته المصرية هاجر، ليتركها في رعاية رب هذا البيت الحرام، وتستمر الحكاية حتى، أن يضرب الصبي إسماعيل بكعبه الأرض، فتبثق بئر ماء، اسمها زمزم، ولو زمزم ما كانت مكة نطاق صالح للإعمار، لكن هل كانت هناك آبار ماء أخرى غير زمزم بشبه الجزيرة العربية؟ ذلك ما نكتشف بالليلة الأولى، قبل أن يدرك شهرزاد الصباح.
  

الليلة الثانية: قصة الكعبة المشرفة

أول بناء للكعبة كان في عهد أبو البشر آدم، ثم أعاد أبو الأنبياء إبراهيم إحياء البيت الحرام، وهو من وضع بيديه الحجر الأسود علامة للطواف، ولكن هل كان هناك كعبة واحدة، أم كعبات، وأيه قصة الكعبات ديه!؟ دينيا هي كعبة واحدة، تاريخيا "لأ" كان في أكتر من كعبة، غريبة صح؟ ليه متقراش الحكاية كاملة.. وتعرف بنفسك إجابة السؤال.


الليلة الثالثة: طيب مين خزاعة؟

إيه.. سهلة ديه، افتكر فيلم الشيماء، مشهد زوج الشيماء والكفار، وهما بيوسوسو للراجل الأقرع، من قتل نسائكم؟ من سرق أموالكم ؟ من شرد أطفالكم ؟ بالطبع.. خزاعة، فالموت لخزاعة.


في الليلة الثالثة يحكي المحمدي، قصة قبيلة خزاعة القريشية، وذلك وفق مصادر تاريخية، ليس لها صلة بفيلم الشيماء.. خالص.. طيب مين بقه خزاعة، خزاعة دول يا سيدي كانوا حكام الكعبة وملكوها لأكثر من 600 سنة.. يعنى أول الحكاية، ويمكن ديه أهم نقلة درامية في الحدوته كلها ، بقولك إيه! ما تيجى نشوف.   

الليلة الرابعة: على الأصل دور

لو بتحب تقرا في السيرة النبوية، أكيد تعرف أن نسب النبي يعود إلى الجد "عدنان"، وعدنان يقال إنه أصل قريش، لكن في الحلقة الثالثة، عرفنا أن قريش كان فيها قبيلة مهمة اسمها خزاعة، سيطرت على موسم الحج، والسقاية، وتنظيم شؤون التجارة، والكلام ده استمر لحد آخر ملوك قبيلة "خزاعة"، اللي اسمه "حليل / خليل" معرفش، المهم إنه خزاعي، وأنه آخر ملوك خزاعة، لحد ظهور "فهر بن مالك بن النضر" جد النبي عليه الصلاة والسلام، وجد كمان كل العشرة المبشرين بالجنة. مش مصدق روح شوف بنفسك. لكن إيه علاقة "فهر بن مالك" بـ"حليل الخزاعي". وأزاي تم إنهاء حكم خزاعة. الحكاية ببساطة، بتكرر كل يوم، سمعت عن واحد أسمه "قصى بن كلاب" ، هو ده أصل كل حاجة.


الليلة الخامسة : التحكيم الدولي 

في الحضارة الإسلامية، في أكتر من موقف حسم، بطريقة التحكيم الدولي، ربما أشهرها واقعة "علي بن أبى طالب" وبني أمية، ويقال أن هناك صراع اشتد مع وفاة "حليل الخزاعي"، وبين "قصي بن كلاب" حفيد "الفهر بن مالك" وذلك بعد زواج "قصي" من  ابنة "حليل الخزاعي" وبالتالي آلت إليه الولاية على ملك والدها، وهو ما رفض من الخزاعيين، فاندلعت الحرب. واللي طبعا حسمها قصي، بمكر، وسياسة، آهلته في نهاية الأمر إلى الانفراد بالملك، وإنهاء سيرة بني "خزاعة". الغريب في الأمر أن قصي لم يكن من مكة، وإنما من الشام، أزاي رجع مكة، وأزاي قدر يستفرد بالحكم، ده اللي بتحكيه الليلة الخامسة .. من الليالى.


الليلة السادسة: ابن كثير والبداية والنهاية

يحكي ابن كثير في مؤلفه الشهير "البداية والنهاية" قصة شراء "قصي بن كلاب" لمفاتيح  البيت الحرام من أحد أبناء خزاعة، والمسمى بـ"غبشان الخزاعي"، وذلك بزجاجة خمر وناقة، تسلم بعدهما قصي مفاتيح البيت الحرام، وآلت إليه كل ما يترتب على ذلك من هيمنة وسيطرة تجارية وسياسية، بس الكلام ده بلاغي أوي، وأشبه بالحواديت، أو الإشاعات، أزاي يعنى واحد يفرط في كل الهيلمان والآبهة ديه، بقزازة خمر؟ السر كله في اللغة العربية، وبلاغة العرب، اللي ممكن تختزل تاريخ طويل في مضرب مثل زي "أخسر من صفقة غبشان"، اللي عرفنا منه أسم الراجل، واللي بنتعرف على حكايته في الليلة السادسة من ليالى قريش.
   

الليلة السابعة: إعلان دولة قصي

انتهى عهد "خزاعة" بطريقة، لا عودة فيها للوراء، وده برغم أن فيه شوية خزاعينن، قعدوا يهتفوا "شرعية.. شرعية"، لكن قصي ولا كان سائل فيهم، هو خلاص استتب إليه الأمر، وقبض بأيده على الزمام، لكن "قصي" نفسه كان عنده مشكلة، أن لسه فاكرين "قصي" لم يولد في مكة، وإنما الشام، فإيه هي الشرعية اللي ممكن يحكم بيها؟ زي ما فهمنا قصي كان سياسي محنك، فالنقطة ديه مش هتشغل باله كتير، قصي أكيد سأل مين اللي بنى "الكعبة"، فطبعا الناس جاوبت: "سيدنا إسماعيل"، وكان ردو فعلا بسيط: أهو أنا بقه حفيد إسماعيل. حد ليه شوق في حاجة ؟  


الليلة الثامنة: مركز التجارة العالمي

ولما كانت الليلة الثامنة، من ليالينا التسع، وبعد أن جلس قصي وتربع داخل البيت، واستتبت إليه الأمور، واطمأن أنها دامت، تلفت حوله، فوجد أن البلاد قد تركها أبناء خزاعة خالية على العروش، و فليست لها سيادة أو مكرمة، إلا في مواسم معينة، وهذا لا يرضي طموح شخص نشأ وترعرع في بلدان الشام، حيث شاهد بعينه، كيف كان التجار يبيعون ويكسبون، في اليوم الواحد بتاع ألف دينار، لذا قرر السيد "قصي بن كلاب" أن يحول طرق  التجارة من اليمن والشام، إلى مكة المكرمة، وأن يجعل منها مركزا للتجارة من وإلى شبه الجزيرة العربية، وبالطبع لم يكن قصي أول من فكر فى هذا، فقد سبقه كثيرون، لكنه تميز عليهم بأنه أول من استطاع أن يحقق تلك النقلة النوعية.  


الليلة التاسعة: وهل قتل قصي؟

في حكاية كده مش ولابد، عن "قصي" الحكاية مروية على لسان ابن العباس، ابن عم رسول الله، والحكاية بتقول، أن أول فلوس كسبها "قصي" عند رجوعه لمكة، كانت عن طريق قتل تاجر حبشي، ونهب أمواله، بس الشهادة لله "مؤمن المحمدي" مع إنه مش مصدق الحكاية ديه، لم يطعن في صدق ابن العباس، طيب إيه الحكاية أصلا، ده اللي "مؤمن" مقرر يحكيه في الليلة العاشرة من ليالي قريش.

 

الليلة العاشرة: دولة قريش الديمقراطية العظمى

أول الدروس اللي بنتعلمها في التاريخ، عن الحقبة الزمنية الأولى، لصدر الإسلام، هي "وأمرهم شورى بينهم" لكن عمرنا ما سألنا نفسنا، هي الفكرة أصلا جات منين؟ يعني فكرة السقيفة، أو الجامع، اللي بيجمع أفراد المجتمع لإجراء عملية التشاور، صعب جدا تبقى ظهرت كده فجأة، وخصوصا وفي حكاية عن اجتماع كفار قريش في دار للندوة من أجل التشاور فى شأن الرسول محمد واتباعه من المسلمين الأول قبل الهجرة للمدينة.

 كلنا فاكرين الحكاية ديه، واللي انتهت بخروج الرسول وأبي بكر، واللجوء إلى الغار، والعنكبوت واليمامة، ونوم سيدنا علي في فراش النبي، جات منين الندوة ديه، ومين الناس اللي كان مسموح لها تجلس في الندوة وتقول رأيها، أكيد في نظام، لأن مش معقول، أي حد يدخل سداح مداح كده، ومهما كان برضك دول كفار ودمهم تقيل، ممكن جدا يكبسوا دم أي حد ويقولوله أنت مالك، إيه اللى حشرك وسطنا، الحكاية ديه بيفسرها "مؤمن" فى الليلة العاشرة، واللي بيحكي فيها خطوات "قصي" لتأسيس نموذج أقرب للنظم السياسية المتعارف عليها اليوم، سواء كتحالفات مصالح تجارية، أو اتفاقات دبلوماسية، والأهم سلام اجتماعي، قائم على برلمان حر منتخب وممثل لمختلف شرائح المجتمع القرشى، وقتها.. كان دماغ الراجل قصي ده ! عمل أزاي كل ده؟ الله أعلم.

مؤمن لسه مكمل وبيحكي، والظاهر إنه عنده من الحواديت ديه كتير، ممكن يوصلهم ألف حكاية وحكاية، هنشوف. فابقوا معانا