أشهر عانس وليست بعانس
إنها الرائعة زينات صدقي أشهر من قام بدور العانس في السينما المصرية، والتي تصادف ذكرى ميلادها قريبًا يوم 2 مارس.
لم تكن عانسًا أبدًا بل تزوجت في سن 15 عاما من ابن عمها الطبيب زواجا لم يستمر سوى عام واحد فقط، ثم تزوّجت الملحن إبراهيم فوزي، وزواج آخر من أحد رجال ثورة يوليو لم يستمر طويلا.
لا أحد يستطيع ان ينسى إفيهات زينات صدقى فى السينما العالقة في الذهن إلى الآن:
ــ أنا الآنسة حنفي يا مهدى إلى الحديقة يا وارد أفريقا
ــ عذراء حسناء هيفاء ولهاء دعجاء سمراء فيحاء.. فى العشرين من عمرها الوردي الزاهر المزدهر.. تملك سيارة وفيلا ودار أزياء.. تطلب زوجًا.
ــ عدلهالي ياااااااارب.
ــ ياختي جمالو حلو.. ياختي شبابو حلو.
ــ يا صبر أيوب المبتلي.. يا قلة العرسان يا خواتيييي.. دا حتى مش كويس على عقلى الباطن.
ــ الوحش الكاسر.. الأسد الغادر.. إنسان الغاب طويل الناب.
ـــ عوض عليا عوض الصابرين يااااارب.
ــ مد إيدك خد المفتاح.. يا سارق قلوب العذارى.
ــ حسبولله حسبولى حسبولى.
ــ ميدو مداميدو.. أنا قلبى إليك ميال ولا فيش غيرك ع البال أنت وبس اللى حبيبى.
ــ ياختي كتاكيتو بني.
ــ يا منجي نجي نجي نجي من المهالك يارب.
وأيضا: (يا صباح البونجور ــ عليه العوض ومنه العوض في الرجالة ــ آه يا ناااااري ــ ألطع كي أقدح زينات فكري ــ بتبصلى كدة ليه والمكر جوه عنيك- أمرك يا سبعي يا جملي يا مستبد يا سادس عشر- نوم العوافي يا عريس متعافي يا أسطى في المزيكا).
بهذه الكلمات وغيرها اشتهرت زينات صدقي، ولابد أن أغلب مشاهدي الأفلام القديمة يحفظون لزينات صدقي ألفاظًا وعبارات وطريقة أداء وأشكال وإكسسوارات وملابس تفرّدت بها، لدرجة يستحيل معها أن تجد ممثلة أخرى يمكن أن تنافسها في أداء أدوارها بنفس القدر من خفة الظل وسرعة البديهة وبساطة وتلقائية الإحساس والأداء.
وتعتبر أفضل من قدم شخصية بنت البلد المرحة سليطة اللسان الشهمة صديقة بطلة الفيلم، التي تتحول إلى أحد المفاتيح المهمة لحل أزمة البناء الدرامي للسيناريو، الغريب أن زينات صاحبة الحيوية وتدفق التعبير الصوتي كما تظهر أمام الكاميرا، كانت خجولة في حياتها الشخصية .
أما أسرتها فالأم هي حفيظة والأب محمد سعد، ولدت فى 2 مارس عام 1913 في أحد أهم الأحياء فى مدينة الإسكندرية بحري بقصوره بأحيائه الشعبية آنذاك، ولدت زينب وهى آخر العنقود .. زينب محمد سعد.
قصة الاسم :
بدأت زينات صدقي حياتها الفنية كمغنية و"عالمة" في الأفراح في الإسكندرية، وكان لابد من تغيُّر اسمها حتى لا يتعرف عليها أهلها، فأخذت اسم صديقتها خيرية صدقي التي كانت لا تفارقها أبدا، فأصبح اسمها الفني زينب صدقي.
في عام 1932 سافرت إلى بيروت هربًا من عمها وعملت على مسارح وكازينوهات بيروت، ولقت نجاحًا كبيرًا مع الفرقة التي سافرت معها، في نفس العام انتقلت إلى صالة بديعة مصابني في شارع عماد الدين، عملت معها كراقصة في فرقتها وأُعجبت بها، وقررت أن تجعلها ترقص بالشمعدان بمفردها، ولكن زينات صدقي لم تستطع الاستمرار في الرقص.
أخذت بديعة مصابنى زينات صدقي إلى نجيب الريحاني لتعمل ممثلة في فرقته، وعندما سألها عن اسمها أجابته زينب صدقي، فرد عليها "ما ينفعش زينب صدقي موجودة أهي"، وكان يشير إلى الممثلة المعروفة في فرقته في ذلك الوقت.. هي زينب صدقي واحدة بس ما ينفعش. إيه رأيك فى اسم زينات صدقي؟
ومنذ ذلك اليوم أصبح اسمها زينات صدقي، وأيضًا بدايتها في عالم التمثيل مع نجيب الريحاني .
في عام 1930 درست فن الدراما والإلقاء وأصول التمثيل في معهد «أنصار التمثيل والخيالة» مع زكى طليمات في الإسكندرية، الجمال الأوروبي يظهر في ملامح زينات صدقي، ولكنّها تحمل الروح المصرية الأصيلة.
لها مدرسة خاصة بها في الأداء، بالرغم أن كل الأدوار التي مثلتها متشابهة إلى حد كبير، إلا أنها كانت تدهشنا في كل مرة بخفة ظل وأداء متفرد، ما أن تدور الكاميرا حتى تنطلق ولا يستطيع أحد إيقافها لا يهم أن تقول بالضبط ما كتب في السيناريو، إلا أنها توصل المعنى بأداء مدهش .
أدركت زينات صدقي مناطق تميزها الفني، فتعلمت كيف توظف ما اختزنته في الذاكرة من سلوكيات وأنماط الحياة، والتعامل اليومي بين سكان المناطق الشعبية بالإسكندرية وما شاهدته من حيل وأساليب فناني المسرح، ورغم أن عملها بالرقص كان يدر عليها دخلاً شهريًا كبيرًا، إلا أنها كانت تؤمن أن لديها موهبة تتحرك في اتجاه آخر، كان الرقص مجرد وسيلة للبحث عن لقمة العيش، سرعان ما هجرته، رغم أن بديعة مصابني حاولت مساومتها على رفع أجرها حتى تستمر كراقصة.
أدوات صناعة وبناء الكوميديا توافرت لها، لكنّها لا تعرف أساليب توظيفها، وكانت مدرسة الريحاني المسرحية وموهبة بديع خيري في الكتابة ونحت الشخصيات.. هي البداية للصعود إلى قمة أداء الكوميديا.
كثيرون قالوا إن الكاميرا كانت تسلب زينات صدقي مساحات كبيرة من جمالها، لكنّها لم تكن تبحث عن حلاوة الصورة، بقدر ما كانت تفتش عن وسيلة لاقتحام قلوب الناس، وانتزاع سعادتهم من خلال ضحكة صافية وهذا بالفعل ما حققته.
لم تكن نجمة أفيش أو صف أول على مدار تاريخها، وأول أعمالها في السينما فيلم وراء الستار عام 1937 إخراج كمال سليم، رصيدها السينمائي 185 فيلما أولها فيلم «الاتهام» 1934 ثم فيلم «بسلامته عايز يتجوز» ،1936 وتتابعت أدوارها المهمة في أفلام تمثل تراث السينما المصرية مثل عفريتة هانم 1949، ودهب 1953، وابن حميدو 1959، معبودة الجماهير 1967، السيرك 1968، السراب 1970 وآخر أفلامها «بنت اسمها محمود» 1975 صورته قبل وفاتها بثلاثة أعوام. إلى جانب سلسلة أفلامها مع إسماعيل ياسين، حيث شكلت معه ومع عبد السلام النابلسي ثلاثيا كوميديا يستحيل نسيانه.
كان الحضور الفني لزينات صدقي يدفع منتجي السينما للتسابق لاختيارها في أدوار داخل أفلامهم، وكان أنور وجدي يحرص على الاستعانة بها في أفلامه، حتى لو في مشهد واحد .
شاركت كل نجوم جيلها أفلامهم، وكانوا هم من يسعون للعمل معها، عبد الحليم حافظ محمد فوزي كمال الشناوي فاتن حمامة مديحة يسري وسعاد حسني، وكانت صداقاتها وعلاقاتها بجميع الفنانين الكبار آنذاك طيبة، وتحمل من الذكريات الكثير، فهي على المستوى الشخصي طيبة وجدعة جدًا .
أطلق عليها النقاد المصريون كثيرا من الألقاب (بنت البلد وخفيفة الظل وورقة الكوميديا الرابحة والعانس)، والتي نجحت في أن تحتوي كل هذه الأوصاف، وبرعت في أداء شخصية العانس التي تبحث عن أي عريس رغم أنها كانت في شبابها جميلة أمام أبوابها يقف العرسان طوابير، وتزوجت ثلاث مرات انتهت بالوحدة والاكتئاب.
ترك وفاة نجوم كانت القاسم الأساسي معهم في أفلامهم دائمًا، مثل عبد السلام النابلسي واسماعيل ياسين وعبد الحليم حافظ، أثرًا كبيرًا وسببًا في بعدها عن التمثيل .
نالت زينات صدقي تكريمًا من الرئيس جمال عبد الناصر، حيث حصلت على شهادة الجدارة، وفي عيد الفن الأول عام 1976 كرمها الرئيس أنور السادات وأعطاها معاشا استثتائيا.
كان آخر أعمالها عام 1975 فيلم "بنت اسمها محمود" إخراح نيازي مصطفى. توفيت يوم 2 مارس 1978 لتنطفئ أجمل ضحكة... لكن صداها لا يزال يتردد داخلنا وقبل وفاتها جلست 16 عاما في بيتها دون عمل، ولا أعرف كيف تجاهلها المنتجون والمخرجون سنة تلو الأخرى، أم أن حزنها على رحيل أصدقائها زادها عزلة.
فضلّت زينات صدقي في مرضها ألا تُثقل عبء الرئيس السادات أو خزانة الدولة المرهقة برغم تكريمه لها وإعطائها معاشا شهريا، بل ورقم تليفونه لو احتاجت شيئًا، ولكنّها آثرت أن تموت في صمت بعد مرضها، ورفضها أن تطلب العلاج على نفقة الدولة، فهي كانت طوال رحلتها عزيزة النفس بشكل رهيب تجوع ولا تسأل بشر.. ورحلت من لا تتكرر وصعب أن يجود الزمان بمثلها.