عصفورة وكرافتة !
لم أحب الكرافتة في حياتي، ولا أنصحك أن تفعل مثلي، حيث أن الكرافتة تختصر المسافات، وتجعل الطريق أقصر وأسهل لحصولك على ترقية أفضل من الذين لا يفضلون الكرافتة.
يحضرنى هنا عبارة مأثورة للباز أفندى في فيلم ابن حميدو( عليه كرافتة ترد الروح)!، لكن الأهم من علاقتك بالكرافتة، قدرتك على كتابة التقارير بطريقة سريعة وسهلة ومختصرة ودقيقة. أن تصبح (عصفورة) تنقل الأخبار أولا بأول، لمن يهمه الأمر.
في ماذا يفكر من حولك؟ ماذا يقولون؟ علاقاتهم؟ أفكارهم؟.. كلما كنت عصفورا أخف كنت الأقرب إلى الهدف.
لا أعرف من الذي أطلق على ناقل الأخبار (عصفورة)، لكنّه عبقري، فهو يصف أخف الناس قيمة ووزنا الذين ينطلقون بالأخبار إلى أذن المسؤول؛ لكي يكون صورة عامة لأعدائه وأصدقائه!
لسنوات طويلة، كنت أسمع في مهنتي أن فلان عصفورة!.. مع أنني أراه وديع تماما، ودود، طيب، يسبقك بالخير، يؤدي الفروض بكل خشوع، لا ينسى الذهاب إلى الحج كل عام في رحلة طويلة!
لكن لم أصدق مرة أن كل من أخبروني عنهم أنهم عصافير بكرافتات.. كانوا كذلك، لم أفهم إلا بعد وقت طويل. ومع ذلك مازلت أسأل: لماذا العصفورة دائما يرتدي الكرافتة فى كل وقت.. حتى يكاد يرتديها في الحمام؟ أو وهو نائم؟
هل العصفورة يعتقد دائما أنه يجب أن يكون جاهزا للقاء مسؤول مهم يغير مجرى حياته ؟
ذهب زمن وجاء زمن، ومازالت نفس العصافير تحلق وتصوصو!.. وأسأل بكل سذاجة: هو مافيش عصافير غيرهم؟ لماذا لا تتجدد العصافير؟ لماذا لا يصبح لدينا عصافير جدد ؟ أليس للعصافير عمر افتراضي ؟
العصافير موجودة بكثرة فى كل مكان، فى كل قطاع، في كل مهنة، في كل مؤسسة، بنفس الملامح، ونفس الغباء، بنفس كمية الشر وكمية الحقد، تخطط وتؤلف وتضيف وتحذف، فهي لابد أن تغرد فى كل وقت، حتى لو كانت حنجرتها مجهدة، أو ليس هناك أغنية تغنيها!
في مؤسسة ما، ذهب عصفور صغير يغرد بتقرير يمس رئيسه فى العمل، كتب العصفور التقرير وملأه بالحشو اللازم لتفجير رئيسه مرة واحدة، دخل غرفة تسليم التغاريد.. فوجد رئيسه في العمل هو الذي يجلس في نفس الغرفة المظلمة يمد يده لكي يتسلم منه التقرير الذى كتبه فيه. جلس بكل هدوء وأشعل سيجارته وقرأ كلمة كلمة، وأخذ قلما وأخذ يشطب ويحذف ويضيف.. ثم أعاد له التقرير وهو يبتسم ابتسامة صفراء، وقال له بكل هدوء: هكذا تكتب التقارير ياعصفورة؟.. أنا أستاذك حتى ولو كان التقرير ضدي.
ليست نكتة على كل حال.. إنما حال الدنيا . فانظر حولك لتعرف كم عصفورة فى حياتك.. ربما تكون أقرب وأكثر من توقعاتك.
طالما بقيت العصافير، سوف يظل تراجع قيمة الموهبة والكفاءة والإنتاج، لن تكون هذه هي المؤهلات المطلوبة لكي تنجح؟ هذه كارثة.. أو هذه هي الدائرة التي كلما جرينا فيها عدنا إلى نفس النقطة؟.. لن تتقدم أمة تغرد عصافيرها أكثر مما تعمل.